[email protected]
تلك هي المرة الأولى منذ نعومة أظافري حتى تلك اللحظة التي شرعت فيها بمحاولة ترجمة تلك المشاعر المتناقضة التي تنافي المنطق في مضمونها واختلافها وتوقيتها..!
المرة الأولى التي أعجز فيها عن إدراك شعور غريب ممزق بين الاشتياق والمقت، التوق والغضب، الحنين والبغض، الرحمة ورغبة الانتقام شعور يقيد روحك فوق مقعد التعذيب؛ على يمينك عقلك وعلى اليسار قلبك كل منهم يحاول دفعك لفعل ما يرغب به وأنت تائه لا حول ولا قوة لك بينهم.
تنزف دماؤك بين الشد والجذب دون اكتراث منهم بما أصابك او ما قد يحدث لك. كل هذا وانت لا خيار لك الا الاستسلام لهذا تارة ولذاك تارة أخرى!
حالة تشبه القتل البطيء في جهاد نفسك الضعيفة أمام قلبك الذي لطالما يكون له النصيب الأكبر من استسلامك رغما، وليس طوعا، بالرغم انه من أودى بك إلى قاع المحيط وهو ما يجبرك للرضوخ والاستسلام والتفريط في كرامتك من أجل تحقيق رغبة ترضي ضعفه وهوانه، في الحفاظ داخله على أناس مزقوه ثم صلبوه على أطراف النخيل فوق سهم مدبب صدأ خرج من خلف قناع الكذب والاستغلال والتمثيل الذي عشت تحت وطئته لسنوات، تحول فيها شعر رأسك للون الأبيض، وضمر قلبك من الخوف والفزع من هول ما رأيت، وتشوهت فيها دواخلك بآثار التعذيب الوحشي الذي كاد أن يودي بحياتك.
عجيب هو أمر النفس البشرية النزقة التي تستمر في عشق سجان متلون قاس لا يعرف للود والرحمة بابا ولا طريقا!
تشتاق لمن لم يَصْدُقْها يوما وتتوق لمن أذاقها أنواع العذاب.
وحينما يتحقق وعد الله للظفر بحقها تبكي دما على ما أصاب سجانها من جراح، والأعجب أنها تتمنى أن تكون بجانبه لتعتني به وتطبب له جرحه!
بالرغم من انه تخلى عنها وآذاها وسقاها ألوان الشقاء حتى تجرعته صبرا أذابت مرارته طيات الكيان.
تناقض غريب وغير مفهوم ليس بمقدور أحد تخيله وإدراكه إلا من عاشه وذاق لوعته، مرض جديد لم أسمع به من قبل أرجو أن يكون له علاج..!
قمة الألم أن تتقصى في الخفاء أحوال من ذابت روحك توقا له، وانطفأت بفراقه قناديل نورك التي كانت تشعلها شموع حبك له، وذبل بستانك الذي كان يرتوي من فيض عشقك البريء الصادق، وجفت أوردتك التي كانت تحول وجهك للون الأحمر القاني حينما كنت تراه، وفقدت ابتسامتك الصافية التي تعود بك لأيام صباك وقت لقاه، من أجل الاطمئنان عليه بالرغم من دعائك عليه في صباحك ومسائك وحين نومك!
نعيش الآن عصرا عجيبا يُقدَّر فيه من لا قدر له، ونعشق فيه من لا يعلمون كيف يكون العشق، ونؤثر على أنفسنا من يبتاعنا دون درهم، ونتمسك بمن يفارقنا حينما تنتهي حاجته منا، وتتحول محبتهم لنا عداوة وانتقام لمجرد أن نعود من جديد لنبحث عما تبقى لنا من عزة وكرامة.
لا أعلم كيف للناس أن تنسى طيب العشرة، ولا تبالي بالإخلاص والصدق وتستهين بذلك الميثاق الغليظ الذي أفضينا اليه وأفضى إلينا..!
اللهم ردنا إليك ردا جميلا.