احيانا تصنع منك البيئة او المجتمع الذي تعيش فيه قيما مختلفة تماما عما فطرت عليها، قيما تشعرك بالقيود والانزعاج في كل تفصيل من تفاصيل حياتك، تخرجك إلى الحياة شخصا مختلفا عما انت عليه، وذلك طبعا بعد
الكم الكبير من الحوارات مع الذات، وبعد الكثير من التساؤلات والاضطرابات، بسبب الخيبات والصدمات.
تبدأ بعدها بالدوران في دائرة مفرغة، بالاخص بعد ان وجدت أن اغلب العلاقات الاجتماعية لا نفع منها، والمعظم مراوغ، مماذق، مخادع، لا يؤتمن، فتبدأ بعيش سيناريو منفصل عن الواقع.
وهنا ستجد اشخاصا يختارون التحول الجذري في شخصيتهم بعد جلوسهم جلسات عميقة مع ذواتهم، إذ يجدون أن من يمشي ضد التيار هو الخاسر، وأن الرابح فقط هو من يمشي مع التيار، لذلك يميلون إلى التخلي عن قيمهم ومبادئهم، لأنها قيدتهم ومنعتهم من الاستمتاع بالحياة، ومن ثم ينطلقون في الحياة بنسخة محدثة، معتقدين أنهم على حق! دون أن يعلموا أن من يخسر نفسه لا يستطيع أن يكسب أي شيء في الحياة.
فلتحافظ انت على قيمك الأساسية ومبادئك وان كنت وسط بيئة او مجتمع لم يعد يعترف بها.
والأمر يتطلب في الحقيقة قوة ومناعة نفسية وثقة عالية بالله وبالذات، لكي تصل إلى ذلك التوازن ما بين ذاتك والمجتمع.
فهناك الكثير من البشر في الحياة متبنين نظرة محدودة وغير شاملة عن تفاصيل الحياة، فيميلون إلى شخصنة الأمور، ولا يتعاملون بمرونة مع الأحداث، فعندما يتألم شخص ما وبكثرة جراء عدم تعامل الناس معه بالشكل الذي يتوقعه ويريده، فهذا يعني أنه شخص غير قادر على تقبل الاختلافات، ويتعب كثيرا من يعتقد أن الآخر يمتلك ذات قيمه وتصرفاته وأفكاره.
لذلك عليك اكتشاف التوازن المنشود، لتدرك تنوع الحياة وأشخاصها، ولتعلم تماما أن هناك مستويات مختلفة من الوعي بين الناس، حينها لن تقلق من التصرفات السلبية التي يقوم بها الآخرون.
فقد يتخذ من يشعر بفجوة القيم بينه وبين المجتمع قرارا متسرعا ومتهورا في حق نفسه، كأن يتخذ الاغتراب تماما عن الآخرين، بسبب تواجده ضمن مجموعة بعيدة كل البعد عن قيمه، وتعتمد على المجاملات والنفاق والكلام المعسول، دون أي احترام لقيمة الصدق، وبعد ذلك قد يتخذ القرار بالابتعاد عن مجتمعه، أو قد يتخذ القرار بالتخلي عن كل قيمه، وكلا الخيارين كارثي.
لذلك ان كنت تشعر بالغربة ضمن المجتمع، فلا تجد أمورا مشتركة بينك وبين المحيطين بك، وفي حال تعرضك لكثير من الصدمات والخيبات، عليك ان تكون واثقا من أن الخطأ لا يكمن في تبنيك قيمة الصدق ولا في نيتك الطيبة ولا في حسن ظنك، بل يكمن في عدم مرونتك أثناء تعاطيك مع الآخر، لذا يجب عليك أن تتوقع اختلاف الآخر عنك في منظومة القيم، لأن هذا التصور الجديد لشكل العلاقات سيمنحك راحة نفسية ومرونة أكبر في التواصل، ويجعلك أكثر موضوعية مع الآخرين.
إن كنت ممن يتخذون الصدق والوضوح والالتزام قيما عليا في حياتهم، فلا تكتئب في حال كان المجتمع لا يشبهك، بل اعمل جاهدا على صنع واقعك الذي يشبهك، بوجودك مع أشخاص تتقاطع قيمك مع قيمهم.
إن تحديدك الجاد لحدودك الشخصية ومعرفتك القوية لقيمك وإدراكك العميق لقيم الآخرين المختلفة عنك وعدم تعويلك على الآخرين، سيمنحك الاستعداد للتعامل مع جميع أنماط الشخصيات بمنتهى الانسيابية.
والاهم.. اربط قيمتك مع الله تعالى، بعدها ستحظى بقدر كبير من الراحة النفسية.