بغض النظر عن عدد السنوات التي امضيتها في الشرق الاوسط، مازلت اجد ان شهر رمضان هو تجربة روحانية تعزز التواضع والزهد. البطء في وتيرة الحياة اثناء النهار يوفر الوقت والمساحة للتأمل التي كثيرا ما نفتقدها في ضجة الحياة اليومية، بغض النظر عن الديانة التي يعتنقها المرء، فإن هذا الشهر المبارك هو وقت لجميعنا للتركيز على علاقتنا مع العائلة والمجتمع، وعلاقتنا مع الله.
ولكني وجدت ان تجربة رمضان الكويتي اضافت لي ايضا اشياء اخرى بالمقارنة مع باقي الدول الشرق اوسطية التي عشت فيها ـ الا وهي الديوانيات، فأنا امضي قسطا كبيرا من وقتي في زيارة الديوانيات من اجل الاحساس بهذه الخصوصية الكويتية التي تميزها عن الثقافات العربية الاخرى، خصوصا من اجل الالتقاء مع جميع الاصدقاء الكويتيين الذين قابلتهم خلال الثمانية عشر شهرا الماضية التي قضيتها في هذا البلد الرائع، فأنا دائما استمتع بالمناقشات الشيقة والصريحة عن السياسة والمجتمع والثقافة ـ بداية من كرة القدم والكريكيت والصيد الى خطة التنمية الوطنية والاحداث الحالية في الشرق الاوسط، ولا يهم حقا ما اذا كنا نتحدث عن كون الدوري الانجليزي هو الافضل عالميا في كرة القدم ام لا او عن اهمية دعم المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا ـ فنحن نتفق في كثير من الاحيان، وحتى ان لم نتفق، يمكننا احترام آراء بعضنا البعض، وهنا يكمن جمال الديوانية.
انا احب على وجه الخصوص الطريقة الحرة والمفتوحة للتعبير عن وجهات النظر في الكويت، فهذه سمة يعتز بها الكويتيون والبريطانيون، فهذا التشابه هو واحد من روابط اخرى كثيرة تجمع بين البلدين، وهذا الامر شديد الصلة خاصة في هذا العام التاريخي الذي نحتفل فيه بالذكرى الخمسين للاستقلال عن المملكة المتحدة وبالذكرى العشرين لتواجد الفرقة البريطانية من ضمن قوات الامم المتحدة لتحرير الكويت من الغزو العراقي.
لدينا تاريخ قوي مشترك، واليوم هذه الروابط قوية كما كانت دائما، نحن فخورون بان كثيرا من الكويتيين يرون المملكة المتحدة كبيتهم الثاني، او يدرسون في الجامعات البريطانية، ونحن ايضا فخورون بمشاركة الشركات البريطانية المستمرة في دعم الكويت في خطة التنمية الوطنية الطموحة والممتازة.
لكن، اثناء شهر رمضان الكريم، اود ان افكر في نوع آخر من الارتباط بين الكويت والمملكة المتحدة، يميل الناس عادة الى نسيان حقيقة ان لدى بريطانيا جالية مسلمة كبيرة ومميزة ومندمجة في المجتمع، ففي حين ينشغل المسلمون في اداء صلاتهم وصومهم معا كمجتمع يأخذني التفكير ليس فقط في المسلمين هنا في السالمية والجهراء، لكن اتذكر المسلمين في بلدي في سالفورد وسوثهول، فالاسلام لديه تاريخ طويل يدعو للفخر في المملكة المتحدة، العلاقات بين بريطانيا والعالم العربي تمتد منذ القرن الثامن، لقد انحدرت الجالية المسلمة في البداية من البحارة اليمانية والصومالية، الذين عاشوا في كارديف وويلز، كرديف وتاين سايد في شمال انجلترا لاكثر من 150 عاما، وساهموا الى حد كبير في تراث بناء السفن في بريطانيا والثقافة في هذه المناطق، حقا فإن التاريخ يشير الى انه تم بناء اول مسجد في المملكة المتحدة في كارديف عام 1860.
واليوم هناك حوالي 2.8 مليون مسلم في المملكة المتحدة، واكثر من 1500 مسجد، يعد الاسلام ثاني اكبر الديانات في المملكة المتحدة بعد المسيحية، هناك 8 نواب مسلمين في البرلمان، ومساهمة المسلمين البريطانيين في المجتمع البريطاني ككل تعتبر جزءا اساسيا ومهما في بريطانيا الحديثة، وهذا يمكن رؤيته متجسدا في شعبية بطل العالم للملاكمة للوزن الخفيف امير خان، واول وزيرة مسلمة في الحكومة البريطانية البارونة وارسي (التي قامت بزيارة الكويت العام الماضي) ورجل الاعمال الشهير جيمس كان، الذي يظهر ايضا على الشاشة في برنامج «دراجونز دن».
في هذا الشهر، سيحتفل هؤلاء الناس برمضان في المملكة المتحدة، وسيقوم المواطنون البريطانيون من جميع الاديان والاصول ببذل قصارى جهدهم لمساندتهم في صيامهم خلال ايام الصيف الطويلة، تماما كما افعل انا وزملائي هنا في السفارة البريطانية لمساندة زملائنا المسلمين واصدقائنا اثناء عملهم وصيامهم في اجواء الكويت الحارة.
يقول لي اصدقائي المسلمون ان شهر رمضان يدور حول المجتمع والانشطة الاجتماعية، وهذا ما يهم بريطانيا الحديثة ايضا، لايزال لدينا الكثير من القواسم المشتركة.