تزخر كتب التاريخ بسير صعاليك العصر الجاهلي، الذي يمتد إلى 150 عاما قبل الإسلام أو يزيد، ولا يقصد بـ«الجاهلي» عدم العلم والمعرفة، وإنما النزعة تجاه العصبية القبلية، والغلو في الفعل، وقسوة اللفظ، والعجلة بالاحتكام إلى السيف، وهناك من ينسبه إلى الجهل بعقيدة النبي إبراهيم گ، فسموا بالجاهليين، ومن اتبعه سمي بـ«الحلفاء».
والصعاليك في العصر الجاهلي طوائف ثلاث: الأولى هي من أنكرتهم قبائلهم، وهم من أنكرتهم قبائلهم لسوء جرائرهم وأشهرهم الشنفرى الأزدي، وقيس بن منذر الخزاعي، والطائفة الثانية هي الأغربة أو الغرباء، وهم أبناء الإماء ممن أنكرتهم قبائلهم لسواد لونهم، والسليك بن السليكة علمهم وشاعرهم وأعلمهم بمسالك الصحراء، أما الطائفة الثالثة فهم الفقراء، الذين جار عليهم الفقر المدقع حتى انتزعهم من مجتمعهم الصغير المتمثل بالقبيلة، ورمى بهم في مهالك الصعلكة ودروبها الوعرة.
وإن ذكر «الصعاليك» يوما فلا يتخطى أميرهم وأشعرهم عروة بن الورد العبسي، فهو أنبلهم خلقا، وأكرمهم يدا، فلا يغير لغنيمة، أو يأخذ لسد حاجته، وهو قرين الأسطورة الإنجليزية «روبن هود» ينهب الأغنياء ليطعم الفقراء، إلا أن «عروة الصعاليك» حقيقة ماثلة، وذاك من وحي الخيال التائق إلى الفضيلة.
تبدل الزمن، ودخلنا الألفية الثالثة، واقتحمت تفاصيل يومياتنا الصغيرة وسائل التواصل الاجتماعي، فظهر الصعاليك الجدد على منصة «تويتر»، هم ليسوا أبناء إماء منبوذين في مجتمعهم، فالإسلام جب ما قبله بسماحته، وهم ليسوا من الفقراء المعدمين، المنبوذين من مجتمعهم، وإن كان عدد غير قليل منهم أقرب ما يكونون إلى النشاذ بأقوالهم، وليس لهم من الفعل النبيل ما يذكر، سوادهم الأعظم تسموا بأسماء وهمية، وتحصنوا ادعاء منقوصا بحرية الرأي والكلمة، فأخذوا يجوسون الديار إفسادا، ويوغلون قدحا بالعباد، لأهداف معلوم بعضها، ومجهول على العامة جلها.
وشهدت الحالة السياسية الإيجابية المتفردة إقليميا في الكويت، انقساما شديدا في الرأي خلال الآونة الأخيرة، على خلفية قسم الحكومة الجديدة برئاسة سمو الشيخ صباح الخالد أمام مجلس الأمة، وقضايا أخرى، فأخذ نواب الأمة كل يلقي بحجته وبراهينه، ويدافع عن موقفه الذي يراه، معلنا رغبته بالحضور أو مقاطعة الجلسة، فانقسم القوم إلى فريقين، كل يسعى جاهدا لدحض رأي الآخر، أو أقله تبيان موقفه.
ولعل نائب رئيس مجلس الأمة أحمد الشحومي في طليعة ممثلي الأمة الذين تعرضوا للنقد المقذع الواهن من بعض الذين لم يرقبوا في الله إلّا ولا ذمة، ولم يحترموا العلاقات الاجتماعية المتماسكة لأهل الكويت أسرا وقبائل، ولم يقفوا عند حرية الرأي التي يتشدقون بها افتراء، فلا تكاد تظهر شمس صباح إلا وتجده حاضرا لهجا على ألسنتهم، ولعل ما زاد من حنقهم وغلوائهم «التويتري» البغيض، صدعه بين الناس بالرأي الواضح، وثبات الموقف، وحجية الكلمة، وتفاعله الإيجابي مع الأغلبية الصامتة التي ترى أن «المركب البرلماني» انحرف عن مساره، واتخذ طريقا موحشا غير آمن، فلم يحد عن رأيه، ولم يتزحزح موقفه رغم قسوة الطعان، ولعله فيما تكبد من مشقة نفسية ومعنوية، راض بما يضمره له الكثير من أهل الكويت من محبة وتقدير.
[email protected]