سنحاول في هذا المقال إبطال حجة من يرفض الديموقراطية بحجة أنها تختلف عن الشورى أو أنها ضد فكرة الإسلام بشكل تام.
وسنبين أن هذا الكلام ساقط عقلا ونقلا، وأن الديموقراطية والشورى ما هما إلا وجهان لعملة واحدة، ألا وهي عملة العدل البشري المحدود، والذي يسعى إلى محاولة التطبيق الجزئي لنظرية العدل الإلهي المطلق، وسنبين الخط الفاصل بين المقتضيات الدنيوية والمقاصد الدنيوية.
***
لأن القصة والفلسفة هي عبادة الله (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، ثم عمارة الأرض بالحق بأي أسلوب يحقق لنا النجاح في أمور دنيانا، كما أمر الله وبما لا يتعدى على حدوده (فاستقم كما أمرت) ومحاولة تحقيق القدر المعقول من العدل والعدالة والمساواة.
***
هذا بشكل عام، أما عندما ندخل إلى صلب الموضوع فنستطيع القول: إن أهم عبارة يتغنى بها رافضو الديموقراطية بل هي الذريعة الوحيدة لديهم، هي: أن الديموقراطية حكم الشعب لنفسه، وهو ما يريدون تصويره بأنه مضاد لحقيقة «إنما الحكم لله».
وهذا ما هو إلا وهم كباقي أوهامهم المثيرة للشفقة، لأنه لغويا ومنطقيا وعقليا لا يجب الوقوف عند لفظ (لنفسه) واعتبارها مجردة، لأن المقصود هنا حكم الشعب لنفسه إداريا وتنظيميا وليس كما يصورون ويدلسون، كما أن حكم الشعب لنفسه ليس بالضرورة أن يكون مستقلا عن التشريع الإلهي.
هذا بشكل عام، وفي الحالة الإسلامية على وجه الخصوص هو تشريع متصل بشرع الله وحكم من باطن حكم الله، ويجب أن يكون حكما ممتثلا لأوامر الله وبما لا يتعارض مع شرع الله، وهو تحقيق تام وترجمة حقيقية لحقيقة موجوبية «إنما الحكم لله»، وشرحا وتفصيلا وتأصيلا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «أنتم أعلم بأمر دنياكم».
***
فعندما يقال للمسلم لمن الحكم؟
لله أم.. للشعب للإنسان
للشرع والتشريع أم.. للعقل؟
فمن البديهي أن يكون الجواب: «إنما الحكم لله»، ولكن أيضا من خلال ما صح لدينا من كتاب وسنة
وإنما الشعب والإنسان والعقل ما هم إلا أدوات إدارية وأساليب تنظيمية ومفاتيح بحثية تطويرية، تحت سقف شرع الله.
***
ففي نظرية الديموقراطية الحقيقية غير المبتوره نقول: السيادة للتشريع، والسلطة للأمة.
وفي نظرية الشورى الصحيحة غير المؤولة تأويلا نفعيا فإننا نقول: السيادة للشرع، والسلطان للأمة.
وهنا يتحقق التطابق التام شكلا، وفي الموضوع يعتبر التشريع متصلا بشرع الله والحكم من باطن حكم الله، ويراعى في جمع المواد الدستورية والمذكرات التفسيرية وجميع القوانين مسطرة الحلال والحرام، والابتعاد عن الشبهات الشرعية والمختلف بشأنه والالتزام بإجماع المسلمين.
***
ويمكنني القول إن عالمية الفكر الإسلامي ولا أقول «العولمة الإسلامية»، هي من تلغي التعارض بين الشورى والديموقراطية، بل أكاد أجزم بأن الديموقراطية في هذا العصر هي الوعاء الأمثل للشورى.
***
هذا بشكل عام ومختصر باتجاه القضية الرئيسية وهي «إنما الحكم لله».
أما باقي القضايا في هذا الموضوع كالملكية الدستورية (الوزارة المطلقة والوزارة المقيدة)، والانتخاب والتعيين والتغلب والاختيار وأهل الحل والعقد، فهي قضايا يطول الشرح حولها ولا تتحملها مساحة المقال، بل سيكون لها تفصيل في بحث كامل وشامل سيرى النور قريبا بإذن الله، ثم إنها قضايا فرعية خلافية تحتمل الرأي والرأي الآخر ولا تؤثر في جوهر الموضوع.
[email protected]
hammad_alnomsy@