ليس أصعب من ان تنتظر شيئا تعودت عليه فينقطع، الموت حق لكل هؤلاء، الذين كانوا حولك يوما واختفوا تماما، مثل نور الصباح حين يغزوه الوقت ويتلاشى، ويسيطر عليه الليل بظلامه، ذكرى الأموات كالمد والجزر، يعاند ذاكرتك ويتعبها.
يوم الأم، ليس عيدا كما يعترض البعض حين ينادي به البعض الآخر بهذا الاسم، ترجمة عن لغات أخرى، هو يوم أم، وليس عيدا عند الحضارات الأخرى.. لست أدري لماذا سمي بعيد عند الدول العربية والإسلامية، رغم حساسية التسمية.. لكن، تغيب أمهات تحت سيطرة مرض وحضور الموت، الموت الحق علينا كبشر، نولد ونعيش ثم نضمحل ونموت، ويمر الوقت حزينا، خاصة حين تتوالى الأيام والمناسبات، ويغيب عن أعيننا الأحباب، الذين كنا نهاديهم في المناسبات العديدة، التي تحافظ على وقتها ومناسبتها، ويغيب أصحابها، اللهم لا اعتراض، لكنه الشوق لمن احتواهم التراب، ولم تستطع أذرعنا احتواءهم، قبل شهور كانت معنا، وكانت هنا، ولأول يوم أم يمر، لا نقدر على إهدائها شيئا غير الدعاء بالرحمة والمغفرة.
ويمر العيد، كما يسمى عندنا، قاسيا مكفهرا، حين ينساك الأحياء، صعبة تلك المواقف، ومرة تلك المشاعر، تجاهل صعب من أحياء، ورغبة ملحة لرؤية من رحل.
مازالت ذاكرة أول هدية لست الحبايب، ست سنوات عمري، حين تعودت ولم أنقطع إلا حين انقطعت هي تحت جبروت الموت، لأول مرة لم أفكر في هدية لم أسع لشراء هدية، أتحرق شوقا لعودة أيام أشتري فيها هدية، وأغلف تلك الهدية، وأعطيها لأرى تلك الابتسامة، وأسمع تلك الكلمة، ما أصعب أن ترى فرقا بينك كابن وكأب.
ماذا ستأتي به الأيام بعد؟ تناقضات مزعجة، لن نعترض، غدا ستشرق شمس أخرى، بحفيد يوصل ما انقطع، ويعيد ابتسامة قيدت قهرا تحت بند قسوة الحياة.. وجميل حين عودتني موظفاتي الغاليات على احتفال بسيط في مكتبي، يعاملنني فيه كأم، ولست كرئيسة، قد نفترق غدا بتنقلات، وتغيير أماكن، وتقاعد، وسيكون ذلك اليوم وجعا آخر يدمر خلايا القلب، ويشتعل الشوق أيضا حين تشغلنا الحياة ببيت وزوج وأولاد، كم أكره فراق الأحباب، تحت أي عنوان، كم أمقت بُعد من تعودت على وجودهم، وكم أتألم حين أستعرض ذكرياتي معهم، اللهم لا اعتراض.
[email protected]