محراب قد نلجأ إليه عندما تضيق بنا السبل، ما الحب؟ وكيف ينشأ؟ هل هو شعور احتياج، أم أمان، أم إشباع؟ ذلك الشعور الذي احتار في وصفه الأدباء والفلاسفة، لو سألنا أنفسنا: هل سنظل نكن تلك المشاعر لمن نحب حتى لو فقد كل المقومات لذلك؟
من ناحية فلسفية، شعور الحب مرتبط بالدرجة الأولى بإشباع الحاجة، حيث يحب الطفل أمه لأنها مصدر إشباع لحاجاته التي تبقيه على قيد الحياة، ويحب الأب ابنه لأنه يعتبره امتدادا له ولاسمه وأنه هو من يجعل وجوده ممتدا بعد مماته، نحب صديقا لأنه يكمل شعورا لدينا، ويسد فراغا ببث السعادة والأمان، ويحب الرجل المرأة ليشبع جوانب اجتماعية عاطفية لديه، والمرأة كذلك.. قس على ذلك حب الجمادات من طعام وممتلكات، وكل حب له دوافعه وأسبابه.
وليس هناك حب يشبه حبا، ربما حتى لو كان حبا من نفس النوع كحب الأم لأبنائها. فكر فقــــط بنماذج لأمهات حولك، وتــــأمل كيف هو حب كل منهن بدوافعه وطريقة التعبير عنه.
إذن الإنسان في المقام الأول يحب نفسه ويسعى خلف ما يغذي هذا الحب ويرويه، فالأساس حب النفس عندما يكون حبا سليما متزنا موزونا متى ما أحببت نفسك وتقبلتها بكل ما فيها، فالنفس البشرية ليست ملائكية، ويبقى الفرق بين الناس في فهمهم لتلك النفس وتهذيبها وتكوينها بالنهوض بكل جميل فيها وردع كل صفة تدفع الإنسان لأذية الآخر وبالتالي أذية نفسه، ففي المقولة الموروثة «الشر يعم والخير يخص»، لو فسرناها من زاوية أن الشر يعم بفعل كل ذي سلطة استخدم سلطته بإفشاء الحروب مكان السلام وآثر الظلم على العدل والسماح بالسرقات ولم يسع إلى حفظ المال وتوظيفه في عجلات التنمية التي تحتاجها البلاد.
إن حـــب النفس يعني احترامها والحفــاظ عليها والترفع بها عن كل مشين يناقض الفطرة السليمة. والحب إذا وظفه الإنسان بشكل صحيح في نفسه أولا ثم أسرته ومجتمعه ثم العالم أجمع يكون كفيلا بأن يثمر ذلك الحب حوله، ويصل به إلى توازن نفسي رهيب، فتصب كل طاقته في تنمية نفسه وفهمها.
أشبه قوة الإنسان الكامنة بطاقة عظيمة قد يستخدمها البعض بصنع قنبلة موقوتة تدمر كل ما حولها، وقد يوظفها الآخر بصنع طاقة متجددة كمولدات الطاقة تبث روح الأمل والحب وتنشر الخير وتعمر الأرض، قوة طاهرة لا يدنسها الشر مهما انتشر.
لنسع إلى الخير وننبذ الشر بكل صوره، لنمرر كل ما نقوم به على صومعة الحب تلك، مهما اختلفت مذاهبنا وتوجهاتنا، لننبذ الفرقة والتدمير والغش والخداع والسرقة والظلم، لنقم الخير في نفوسنا، وليس أي خير، خير تكسوه القوة بقوة صاحبها وثباته ووضوح طريقه وأهدافه، فالخير يعم إذا كان صاحبه قويا، والشر يخص ويضمحل متى ما صدحت منابر صوامعنا بكل ما أوتيت من قوة بوجه الشر الأشر.