ما تعلمناه في كلية الطب وما تدرسه جميع كليات الطب في العالم هو أن الطب مهنة طبية وإنسانية وأن الطبيب يتعامل مع المريض كإنسان، ولا يجب أن تتدخل السياسة في الطب أو الصحة إلا بهدف الدعم والمساعدة ووضع القوانين المتعلقة بالصحة والتأكد من أن الميزانيات المخصصة للصحة كافية وأنها تصرف في الأوجه المناسبة للوقاية وعلاج الأمراض وليس لأغراض أخرى. وفي الآونة الأخيرة تزايدت ظاهرة التدخل السياسي في الصحة لأسباب غير واضحة واختلطت الأوراق ببعض وتداخلت الاختصاصات ونشطت مواقع التواصل الاجتماعي لنشر ما عجزت عنه الألسنة عن الإفصاح به. بل إن الأمر قد وصل إلى ابتزاز وتهديد وزير الصحة بالصعود إلى منصة الاستجواب ما لم ينفذ مطالبهم ويقيل مسؤولين بالوزارة. نعم وصل التدخل إلى هذا الحد السافر، وبينما تختلط أوراق الصحة مع السياسة وتنشر إحدى الصحف ما تقشعر منه الأبدان من مخالفات مالية تتعلق بأحد المكاتب الصحية بأوروبا وهي الملايين من الأموال العامة والتي لم يتخذ معها الإجراء المناسب كباقي المخالفات من المال العام، وتتداول مواقع التواصل الاجتماعي أمثلة ومستندات تكشف عن تسيب وانفلات في الرقابة على حسابات العلاج في الخارج. فإن كان الخلل في المكاتب الصحية فلا تتردد يا وزير الصحة في إلغاء المكاتب التي تحولت إلى أوكار للفساد المالي والتنفيع على أن تقوم السفارات بدور المكاتب الصحية إلى أن ينصلح الحال ويتم اختيار الكفاءات لهذه المهمة دون واسطة أو محاباة. ولتقم الأجهزة الرقابية والمالية بكامل مسؤولياتها للمحافظة على المال العام لأن المحزن أن العقوبة لا تتعدى خصم أسبوعين من الراتب عن ثبوت إدانة تسببت في إهدار الملايين من المال العام بسبب التسيب في المكتب الصحي وضعف الرقابة والابتزاز السياسي للتنفيع، ويجب ترك ملف الصحة بعيدا عن ألاعيب السياسة حتى لا يكون الثمن باهظا من الحياة ومن الصحة. ويجب ألا تتأثر يا وزير الصحة بما يستخدمونه من أسلحة الترهيب والابتزاز وليكن القرار بيدك في أمور الصحة ولا تنشغل بالتهديدات والألاعيب فقد يستغلون عدم الحنكة السياسية لك لتوريطك في قرارات لا تخدم الصحة ولكن تخدم أجندات شخصية ليست لها علاقة بالضمير المهني الطبي. وكفانا الكثير من الأخطاء الطبية والسياسية التي تؤثر على التنمية وتؤدي إلى حدوث المضاعفات والكوارث للصحة ولحياة المرضى.