دخل مكتبي غاضباً.. ومرت ثوان وهو يقول كلاماً غير مفهوم حتى انتبهت إليه وقد بدأت نبرته تعلو: «يعني حضرتك سايب مواجهة الفقر والتطرف وتراجع التعليم والصحة وبتدافع عن حق شوية «مجعراتيه» في إفساد ذوق بلدنا.. والبلدان المجاورة.. و... وهنا قاطعته بهدوء وقلت له: حضرتك إذن لم تقرأ مقالي بالأمس بعين محايدة وإلا لفهمت.. يا أخي أنا قلت وبما لا لبس فيه «أؤيد هاني شاكر في ضرورة التصدي وبقوة لإفساد الذوق العام باستخدام كل أدوات القانون، وإن كان القانون قاصرا يتم تعديله».. وأؤيد عم نجيب في عدم تقييد الحريات واستسهال المنع... أظن أن الأمر واضح ولا يستدعي غضبك.
ثم دعني أوضح أكثر الفنان هاني شاكر لم يمنع أحداً.. ولن يمنع حتى أكثر هؤلاء «تجعيراً» من الغناء أو «التجعير» سمّه ما شئت، لكنه فقط لن يعطيهم تصاريح مؤقتة بعد سقوطهم في اختبارات نقابة المهن الموسيقية أو عند عدم انطباق الشروط عليهم، وبالتالي ووفقاً لقانون النقابات الفنية رقم 35 لسنة 1978 وتعديلاته لن يتمكنوا من الغناء في أي حفلات في أماكن عامة، لكن يمكنهم «التجعير» كما يحلو لهم في الفضائيات الخاصة، والحفلات المغلقة، والدول التي يستضيفهم أهلها ويتم تنظيم حفلات لهم فيها، وأيضا على قنواتهم الخاصة في يوتيوب وغيرها من مواقع الأغاني في الفضاء السيبراني الفسيح، كما يمكن «للحاج» نجيب ان يستضيفهم في مهرجانه أو في اي من مدنه وعزبه ومنتجعاته، فلا سلطة تستطيع منعهم من «تشنيف» آذان مستمعيهم في كل هذه الأماكن.
لقد فعل هاني شاكر ما يستطيع في حدود القانون، أما باقي جبل الجليد الذي اكتشفناه فجأة وهو ان هناك جمهوراً بالملايين يتابع ويؤيد هؤلاء ويستمع إليهم بل ويحفظ أغانيهم والأدهى والأمر أن شبابنا «وشاباتنا» يقلدون حركاتهم الهابطة وأداءهم السوقي عبر برنامج «تيك توك» وغيره، ونحن جميعاً نراقب ونمارس عادتنا المتأصلة في الاستنكار والاستهجان، بينما يتحول شواحه وكزبره وشاكوش وحمو وشكَل إلى نجوم مؤثرة تبني «شخصية» جيل كامل.
وأكرر يا صديقي إنني - ربما بحكم السن - لا أسمعهم، ولكن لا أستطيع منع الآخرين من سماعهم، كل ما أستطيعه هو مطالبة الدولة وأجهزة الإعلام وصناع الفكر والفن الراقي وكل القوى الناعمة المحترمة ببحث هذا الوضع المزري والتصدي له وتغيير هذا الواقع «الأليم».
أما مبدأ «المنع» فلم ينجح قبل عقود وقبل عصر الإنترنت، ولن ينجح اليوم، بل ربما تحققت قاعدة «الممنوع مرغوب» وازداد الوباء انتشاراً.. والغثاء نجاحاً.. والسفهاء صعوداً!!
وأذكرك بأن النحاس باشا رئيس وزراء مصر رفض السلام على موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب عام 1942 وقال له: أنا مسلمش على «مايعين» يا أفندي!.. والمايع باللهجة المصرية هو الدلوع.. (المايص)، وذلك بسبب أن عبدالوهاب غنى: «مسكين وحالي عدم من كتر هجرانك ياللي تركت الوطن والأهل علشانك!!».. ومنع النحاس الأغنية من الإذاعة المصرية!!
مصطفى باشا النحاس نفسه منع أغنية عبدالوهاب «ساعة ما بشوفك جنبي» لأن كلماتها «رقيعة».. حسب قناعة الباشا!!
الله يرحم النحاس باشا.. كان هيعمل ايه لو سمع: «أمك صاحبتي وأختك بترقص على مطوتي»!!
لقد بلغ الإسفاف مبلغه ولا بد من استئصال شأفته.
وحفظ الله مصر وأهلها من كل سوء.
www.hossamfathy.net
Twitter: @hossamfathy66
Facebook: hossamfathy66
Alanba email ID
[email protected]