ثورة 25 فبراير في أرض الكنانة قد سجلت في واقع الوجود العربي والإنساني ظاهرة مدنية حضارية فريدة من نوعها، ثرية في دلالاتها، وعميقة في آثارها المباشرة القريبة والمستقبلية البعيدة.
لم يكن في حساب أحد من قادة الحكم السابق في مصر ولا رواد التنظير والتنظيم أن تصل مجاميع الشباب التي نزلت إلى ميدان التحرير متخطية الأحزاب وطليعة الرموز الثقافية والسياسية والمهنية أن تصل إلى هدفها بعد ثمانية عشر يوما في إسقاط النظام ورأس النظام ورموزه.
إذ إن النظريات السائدة تقتضي مناهج الثورات فيها أنها لا تكون إلا بقيادة بارزة، وهذا ما لم يتوافر في ثورة الشباب في تونس وفي مصر. فهي بذلك قد نسفت مناهج النظريات السابقة وفاجأت العدو والصديق بمنهجية جديدة تعكف الآن دور الدراسات السياسية الاجتماعية الإستراتيجية على دراسة عواملها وملامحها ومعطياتها وآثارها المستقبلية. من الملامح اللافتة لهذه الثورة أنها لم تكن ثورة جياع وإن كان الجوع من أسبابها، إنما تعاضدت أسباب هامة إلى جانب إفقار الشعب في صناعتها طوال الثلاثين سنة لحكم الرئيس السابق حسني مبارك، بل قبل ذلك كفقدان العدالة في توزيع الموارد وقمع الحريات وتزوير الانتخابات التي صبر عليها أهل مصر لسنوات طويلة، لكن حينما وصل الأمر إلى الاستجابة الكاملة لمطالب الكيان الصهيوني والإمعان في إهدار الكرامة العقائدية والإنسانية بمحاصرة أهل غزة وتجويعهم انبثقت الثورة الرائدة في نفوس الشباب الأبية ثورة مبادئ شاملة للجانب المادي والمعنوي، بحيث نقرأ بها السنن الإلهية في تراكم الوعي الإيجابي لدى الشعوب والأمم، ذلك الوعي الذي تصنعه الآلام والعناءات التي تصقلها القيم الإنسانية والأخلاقية، وقد تضافر كل ذلك بمظاهر صبغت بجمالها وجلالها مواقف الشباب المصري المسالم في ثورته والحضاري في وحدة ثواره مسلمين ومسيحيين ضد النظام البائد.
نعم، قد تلتف جهود الاستكبار العالمي على حصاد ثورة نجباء مصر كما هي عاكفة عليه حاليا عاملة زورا وبهتانا أن تنسب الانتصار لمؤازرتها للثورة، وقد تنتظر الشعب المصري العزيز على قلوبنا بسبب ذلك ابتلاءات وشدائد قادمة، ولكن ما هو آت بمسراته وآلامه، مع اعتبار أن فضاء الكرة الأرضية الفسيح قد أصبح إعلاما عالميا واحدا يستحيل حجبه، فهو يكتب وينشر بالمداد الإلكتروني والصور المؤثرة مقاومة الشعوب المظلومة الجريحة في سبيل نيل مطالبها العادلة من العدالة والحرية والكرامة وحق تقرير المصير، وسيسهم في نقل التجارب الحية التي ستعمق وعي الشعوب بشكل سريع وواسع الانتشار سعة المجتمع البشري. s
إن المستقبل القريب يبشر أن من وصفتهم الأحاديث الشريفة بالنجباء والتي تعني أفضل القوم شرفا بمقياس الفضائل، وأعني نجباء مصر كما تحدثت عنهم هذه الروايات أنهم من أنصار المهدي الهاشمي مصلح آخر الزمان، هؤلاء النجباء سينتصرون ويقدمون منبر مصر منبر هداية وإشعاع لنور الحرية والكرامة للعالم بمنهجية المصلح الذي تؤمن به جميع البشرية وإن اختلفت في تحديد شخصه.
[email protected]