قدم التاريخ عددا من القادة والرواد المبدعين الذين أسهموا وبرعوا في فنونهم، والذين ساهموا وتركوا إرثا كبيرا زاخرا في الفكر الإستراتيجي سواء على المستويين العسكري أو المدني، فكانت لهم مكانة في قلوب مجتمعاتهم، وصنعوا من أنفسهم تحفة عظيمة لها من صدى الصوت مسموع، ومن هؤلاء الأخ والزميل الفريق الركن المتقاعد طلب خليفة الفليج، الذي يعتبر من ضمن أبرز الشخصيات العسكرية، التي عرفها التاريخ في عصره، وبقيت قيادته ومبادئه العسكرية مرجعا لكثير ممن جاءوا بعده من القادة.
في الأسبوع الماضي ودع الفريق الركن طلب خليفة الفليج الحياة العسكرية التي تدرج بها قياديا حتى أصبح آمرا لكلية مبارك العبدالله للقيادة والأركان المشتركة، وكان تقاعده برغبة منه كي يعطي الفرصة لدعم القيادة الواعدة والدماء الشابة لتسلم المهام القيادية، وهو الإيثار قال الله تعالى: (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) الحشر: 9، فهذا الإيثار علم يدرس، ويوجد من القياديين من تركوا المنصب وأقدموا على التقاعد لبعد نظرهم بالمستقبل إنها الحصافة.
كان أول لقائي بالفريق الركن طلب الفليج في صبيحة 2 أغسطس 90 في معسكر المغاوير أثناء الغزو الغاشم، وكان برتبة ملازم أول فتجلت به السمات القيادية، وكان في مقدمة المقاتلين لتنفيذ المهام، وكان مسعفا لإخوانه المصابين ويقوم بإخلائهم على كتفه إلى أرض المعسكر، وكان يتمتع بلياقة بدنية عالية والشجاعة التي تعتبر من الأمور الفطرية وترافقها رباطة الجأش ومقدرا للظروف المحيطة.
وكان القدوة الحسنة بأخلاقه، وخادما لزملائه الأسرى وإماما لهم في الصلوات الخمس في معتقل الأسر، وقد كلف بمهام صعبة أثناء الاعتقال فكان خير منفذ لها بغير تردد.
كان مطبقا للقرارات التي يتخذها على نفسه أولا، وبها كان التطور والتقدم بالوحدة خلال تدرجه القيادي إلى أن وصل آمرا لكلية مبارك العبدالله للقيادة والأركان المشتركة حيث أدرك حجم المسؤولية التي تقع على عاتقه فوصل بالكلية إلى مصاف كليات الدول العظمى التي يشار إليها بالبنان.
تميز الفريق الركن طلب خليفة الفليج بنقاط القوة التالية:
أ - امتازت شخصيته بروح التجديد والمحافظة على القصد دائما حتى يحقق الهدف النهائي.
ب - الحكمة الشجاعة والشدة والحزم والثبات في المواقف الصعبة والتي انعكست إيجابا على كفاءته القيادية وكذلك القوة الجسدية واللياقة البدنية.
ج - كان واسع الاطلاع، غزير العلم، عميق الاستقراء والاستنتاج، كما كان قوي الحدس في التحليل والمقارنة، موفقا في ضبط العلل وتوزيع الأدوار.
د - التواضع والانضباط وثقة المرؤوسين وطاعتهم المطلقة له، وظهر ذلك أثناء العمل وفي يوم الوداع.
هـ - كان موضع إعجاب وتقدير من القيادة، وظهر ذلك جليا بزيارة نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع له في مكتبه.
إن الفكر الإستراتيجي بما يتضمنه من نواح علمية وعقلانية، يؤكد مدى الحاجة لمثل هؤلاء الإستراتيجيين في جميع مؤسساتنا، من أجل استنباط ما توصلوا به من مفاهيم ومناهج معرفية للاقتداء بها، لأنها القيم المثلى التي تنقل المجتمع من حالة التخلف والانحطاط إلى حالة التقدم والازدهار، فينعكس ذلك إيجابا على «أمننا الوطني».
ونختم «زاويتنا» بقول الكاتب الصحافي محمود السعدني: القائد الحقيقي ليس الذي يقود في حياته، ولكن هو الذي يترك خلفه مصابيح تضيء الطريق من بعده.. ودمتم ودام الوطن.
[email protected]