مريم بندق
سيدتي.. فارسة التربية:
أستميحك العذر فلقد تأخرت في الكتابة عنك ليس تهربا أو عدم قناعة بمواقفك ومبادئك ولكنني آثرت التريث لأتبين الأسباب الحقيقية للهجوم عليك والإصرار على استجوابك، بل الإصرار على طرح الثقة فيك، هذا الإصرار العجيب الذي جعلني أحدث نفسي قائلة: فلننتظر! فلربما نورية الصبيح التي نجحت كمسؤولة في مناصبها المختلفة لم تنجح كوزيرة وارتكبت تجاوزات بحكم منصب «الوزيرة»، بالرغم من قناعتي التامة بأن نورية الصبيح لا يمكن بتاتا أن ترتكب اي تجاوز أو اختراق للقانون أو الالتفاف على اللوائح.
انتظرت وعكفت لأرى صديقة الدرب على مدى 18 عاما، الإنسانة التي تمثل لكل من عرفها قيمة ورمزا واخلاقيات متميزة وترفعا عن الأخطاء ومصداقية واعتدادا بالنفس وشجاعة أدبية نادرة واحتراما لأصحاب العطاء بصرف النظر عن اي خلافات أو اختلافات.
انتظرت لأرى ماذا حدث منها بعد مشوار العمر الذي قضته في وزارة التربية وبين مؤسساتها المختلفة وعلى مدى ساعات قد تمتد على مدار اليوم بطوله، ماذا حدث منها وهل فعلا ارتكبت تجاوزات ادارية؟ وهل يمكن ان تخفي حقائق حادث العارضية؟ وهل يمكن ان تنتقم من مسؤول يستطيع أن يعطي ويقدم عملا متميزا لوزارة التربية معشوقتها الأولى؟
هل وهل وهل، أسئلة كثيرة تريثت لمعرفة الإجابة عنها قبل الكتابة اليوم، فما الذي فعلته نورية الصبيح فجعلها تصرخ بأعلى صوتها من على منصة الاستجواب في بداية اعتلائها المنصة قائلة «حسبي الله ونعم الوكيل ثلاث مرات» وفي كل مرة كان قلبي يخفق معها خوفا عليها وأنا الأعلم ان قلبها أقوى من قلب الأسد في قول الحق ومع ذلك كانت تستغيث برحمة الله والآن أقول ويشهد الله انني صادقة فيما أقول: انه بعد استماعي وقراءاتي لمضامين الهجوم والردود ازددت قناعة بك ولم أجد في الهجوم عليك ما يشينك، بل جاء الهجوم عليك ترجمة لقول الشاعر:
وإذا أراد اللــه نشــر فضـــيلة طويت
أتــــــاح لهـــــــا لســــــــان حســــــود
لولا اشتعال النار فيــــما جاورت
ما كان يعرف طيب عرف العود
وبكل الإخلاص أقول لأهل الكويت الذين أحببتهم «إن التربية ليس لها الآن إلا نورية الصبيح» فهي الأمينة على وزارة التربية، يقول النبي محمد ژ: «إذا ضُيعت الأمانة فانتظر الساعة»، قال الأعرابي: كيف اضاعتها؟ قال ژ: «إذا وُسد الأمر الى غير أهله فانتظر الساعة» فإسناد الأمر الى نورية الصبيح يعني حفاظا على أمانة التربية - وما أعظمها من أمانة - وحرصا على أولادنا وحفاظا على القيم والتمسك بالعدالة والمساواة بين الجميع وجميعها بديهيات تتمسك بها نورية الصبيح.
أيها النواب الكرام ممثلي الشعب:
اليوم ينتظركم امتحان قاس لضمائركم ومدى نزاهة عواطفكم نحو إحقاق الحق، هذا اليوم المخصص لتجديد الثقة في الوزيرة نورية الصبيح يوم مشهود من أيام الكويت، والكويت تنظر الى أبنائها النواب ليقولوا كلمة الحق «والحق أحق أن يتبع» وتنظر اليهم الكويت على انها أمهم الرؤوم حيث يستوجب عليهم أن يرفعوا ويعلوا من شأنها بتجديد الثقة في الإنسانة التي تحملت مسؤولية وزارة التربية منذ أن كانت شابة يافعة في مقتبل حياتها العملية، وأسست لنفسها خطا عنوانه الرئيسي «حب الكويت وأبناء الكويت» الذين اعتبرتهم أبناءها، بل فضلتهم على أبنائها الحقيقيين، ومازالت ملتزمة بهذا الحب، بل هذا العشق الذي اختلط بدمها.
والمطلع على حياة نورية الصبيح الشخصية يجد انها تولي الوزارة أكثر مما توليه لبيتها ولأبنائها، والذين يعملون بالقرب منها يعرفون انها تأخذ الوزارة الى بيتها بهمومها ومشاكلها وقضاياها وملفاتها ومدارسها وموظفيها ثم تأتي بهم في اليوم التالي الى مبنى الوزارة وقد وضعت لكل هذه الأطراف حلا لمشكلة أو رأيا في قضية أو تأشيرة لما يعرض عليها يوما بيوم ولا تؤجله الى الغد فمن يضمن لها الراحة بعد ذلك، ومن يستطيع أن ينكر هذا الجهد الجبار الذي تبذله على مدار الساعة ساهرة مؤرقة عاملة ناصبة.
ومن يستطيع أن يضمن لنا ايجاد بديل لها ومن يستطيع ان يقنعنا بالأدلة عن سبب رفضه لنورية الصبيح بعد أن تمكنت باجماع مختلف الآراء على سلامة موقفها في أثناء الردود على الاستجواب؟
ان المشهود عن فارسة التربية التزامها الكامل باللوائح والنظم ورفض الواسطة واعطاء كل ذي حق حقه، اشتهرت بالنزاهة وقول كلمة الحق وكانت صاحبة مواقف مشرفة تؤدي عملها بأمانة ولما أوكلت اليها مسؤولية التعليم العام كبرت معها هذه الصفات واستخدمتها في كل متطلبات العمل ولم تدخر وسعا في انصاف أصحاب الحاجات من المظلومين ودراستها للحالات التي تستوجب دراستها وعدم محاباتها لأقاربها ولا معارفها، بل كانت المساواة والعدالة وتطبيق الاجراءات واللوائح والنظم هي ما اشتهرت به وكان الخلاف بينها وبين أي شخص - إن وجد - يدور حول رفضها الالتفاف على اللوائح، صوتها كان مسموعا في مجلس الوكلاء وكان طرحها تربويا عقلانيا نزيها يعرف مصلحة الوطن وكانت تدلي ببيانها من خلال الثقة التربوية والعقيدة التي اتصفت ولم نسمع اي نائب قدم اليها نصيحة إلا واخذت بها، مادامت في الصالح العام والذين تعاملوا معها داخل وخارج الوزارة يشهدون بنزاهتها وانها تقدم مصلحة الوطن على المصالح الشخصية ولم يرد عنها انها تعصبت لرأيها، بل كانت عن طريق الاقناع والمشاورة ووسائل الديموقراطية تقنع الطرف الآخر.
وما يجب الإشادة به انها أول من نادى بتطوير المراحل التعليمية تباعا وأخذت على عاتقها هذا المبدأ وبدأت بالمرحلة الابتدائية ووضعت مشروعا ضخما لتطويرها نال اعجاب د.مساعد الهارون وأشاد به كثيرا، وكان المشروع متعدد المناحي وتناول كل مفردات العملية التربوية وركز على الضعاف والمتفوقين واستحدث الملف الانجازي والحصص الإثرائية والفترات التقويمية، وكان هذا المشروع مشروع الساعة وكان حديث الساحة التربوية والذين عارضوه كانوا يتهربون من المسؤولية بهدف عدم ترك القصة له لاثبات نجاحه في الميدان.
اننا لا نتكلم عن أسرة الصبيح التي جاءت منها هذه السيدة ولكننا نتحدث عن خلقيات الشخصية التي أبت الضيم حين اراد الوزير السابق ان ينحيها عن مكانها في التعليم العام بعد أن طورت واستحدثت ووضعت المشاريع الناجحة وتركت المكان بكل عزة وشموخ ولذلك كان لها السبق في الاختيار لتحمل مسؤولية وزارة التربية، ولا ننسى بأي حال من الأحوال - والذين نسوا نذكرهم - بان نورية الصبيح حين اختيرت كوزيرة للتربية والتعليم العالي ضجت الكويت كلها بالفرحة ولعلنا نشد أذن من نسي هذا الأمر بأن يتذكر استقبال العاملين في وزارة التربية لها حين جاءت الى الوزارة بعد ان أقسمت اليمين أمام صاحب السمو، اذ خرجت الوزارة عن بكرة أبيها في صفين تملأهما البهجة والسرور، رفع الرجال العقالات ابتهاجا بهذه المناسبة وظلت الوزارة تستقبل المهنئين من جميع الفئات والمواطنين والمقيمين والوزراء والسفراء وأهل الرأي والكتاب والصحافيين وامتلأت ردهات الوزارة بالورود والرياحين ولأول مرة يرن في جنبات التربية «التيبيب» (الزغاريد).
ونحن نذكر ايضا هؤلاء الناس بأنه سبق الوزيرة وزراء كثيرون لم يستقبل أحدهم بمثل ما استقبلت به نورية الصبيح، إلا وزير التربية ووزير التعليم العالي السابق د.رشيد الحمد سفيرنا الحالي في مصر يوم ان ودعه أهل التربية.
إننا الآن نناشد الضمائر الحية والنفوس الأبية والأرواح الصادقة، ونذكرهم بقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين، إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما، فلا تتبعوا الهوى ان تعدلوا).
(ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه).
هذا ما جاء في كتاب الله وعلى المسلم أن يعي هذا الكلام لأنه كلام رب العالمين الذي يجب أن يملأ القلوب والأفئدة بالوعي والضمير والورع ومراقبة الله سبحانه وتعالى ولا يتخلى عن مسؤوليته التي سيحاسبه الله عليها ولا يدير ظهره لكلمة الحق ولا يتهرب منها.
ولا يجامل من اجلها فإن الله هو الحق والحق أحق أن يتبع والله سبحانه وتعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وسيسأل كل عبد عما استرعاه، حفظ أم ضيع، وهو سائله ولا يستطيع ان ينكر.
(يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يكسبون).
وأيضا اكرر للذين ينشدون الحق عدم كتمان الشهادة التي تؤكد الثقة بنورية الصبيح يقول الله تعالى: (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه).
وينبغي ان احذر الذين سيكتمون شهادة الحق التي تؤكد الثقة في نورية الصبيح من ان الله تعالى سيسكت لسانهم في الآخرة، وستنطق ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما فعلوه من اخطاء بالحياة الدنيا: (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون).
يا أهل الكويت، أيها الكرام البررة لبنت الكويت بنت الصبيح التي ما بخلت بجهد وما ضنت بعطاء للارتقاء بالتربية والتعليم، أنتم اليوم شهود على من سيقول كلمة الحق ومن ينكص عن قول كلمة الحق فستهتز الثقة به لأنه هرب من قول الصدق فعليه أن يواجه نفسه ليكرهها حين ولى وأدبر عن قول الحق.. ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد.