في أواخر عام 2004 قابلت أحد الشخصيات المهمة التي أعتز بمعرفتها وهو الأخ الفاضل عبدالوهاب الإبراهيم - بويوسف - الذي تعلمت منه الكثير رغم قصر المدة التي عملت بها معه في فن الإدارة والعمل الجماعي وتحفيز العاملين بين الثواب والعقاب، وكيفية اتخاذ القرار والحسم، وتحمل المسؤولية، والسماحة والأدب والوفاء والاحترام في التعامل مع الصغير قبل الكبير، بطريقة تحبب العاملين معه كل يوم للذهاب إلى العمل الذي لم يكن مكان عمل تقليديا، بل «بيت ثاني» لكل العاملين، حيث عرض علي العمل معه كمسؤول دعم مبيعات خلال لقائي معه في تغطية صحفية لمناسبة عامة عندما كنت أعمل مدير تحرير لجريدة المؤشر الاقتصادية الأسبوعية، وبالفعل قبلت بكل سرور العرض، لاسيما أن معرفتي به كانت في عام 2003 خلال مقابلة شخصية للعمل في نفس الشركة، وكان الفاضل بويوسف وعدد من المديرين في الشركة يحضرون المقابلة التي ظننت حينها أنه سيتم تعييني بها بكل سهولة، كون أنني كتبت في ورقة تقديم الطلب كإجابة عن أحد الأسئلة بأن الرئيس التنفيذي بالشركة الفاضل أحمد عبداللطيف الدوسري صديق لوالدي، وعرفت لاحقا أنه «ربما» بسبب هذه الإجابة التي كانت تتعارض مع قوانين الشركة لم يتم تعييني فيها، وتدرجت في المناصب بالشركة إلى أن انتقلت إلى إدارة التسويق والإعلام حيث كنت المسؤول عن الصورة الذهنية للشركة.
ولا أنسى ذلك الموقف الذي رسخ في بالي كدرس في الأخلاق النبيلة من مسؤول فاضل، عندما جاءني اتصال من أحد المسؤولين في الإدارة العليا يطلب من إدارتي نشر 3 إعلانات مشاركة عزاء باسم الشركة والعاملين فيها من الرئيس التنفيذي السيد أحمد عبداللطيف الدوسري لوفاة والدته، ولكي أحمي نفسي كون أنني مسؤول عن ميزانية إعلانات الشركة ومبالغ المشاركات الاجتماعية فيها، اتصلت على أكثر من مسؤول وطلبت منه إرسال إيميل رسمي منه يطلب مني تنفيذ هذا الطلب، وفعلا تم لي ذلك، وقمت بنشر إعلان النعي في الصحف، بعدها جاءني اتصال من مكتب الرئيس التنفيذي شديد اللهجة يستفسر عن الجهة التي تحملت قيمة إعلان وبأمر من تم نشره؟
أرسلت لهم التفاصيل، ثم طلبوا مني ألا أدفع قيمة الإعلان من ميزانية الإدارة على أن يتحملها المسؤولون في الإدارة العليا الذين طلبوا مني نشره من حسابهم الخاص، وهو موقف يدرس في علم الإدارة ولا يسعني إلا أن أقف تقديرا واحتراما له، موقف قد يكون بسيطا إلا أنني أراه عميقا جدا في زمن الإسراف بالصلاحيات والسلطة، وقد نجد فيه مسؤولا في أحد المراكز الحكومية والخاصة يقدم المحسوبية ومصلحته الشخصية في التعيين على الكفاءة، ونجد المسؤول يستبيح لنفسه انتهاك الميزانية على حفلات ومناسبات خاصة ويسخر سلطته في تنفيع جماعته وتحقيق مصالحه الخاصة، نجد مئات الآلاف تهدر على إعلانات تافهة ومناسبات هابطة تخرج لنا من كل بوق إعلاني ليس هدفها خدمة الشركة أو الوزارة بقدر ما أنها تهدف إلى تنفيع أشخاص بعينهم.. تحت غلاف مزيف مع كل شيك.
استذكر هذا الموقف بعد مرور كل تلك السنوات ولا أريد من ورائه ثناء أو مصلحة من أشخاصه بل ليكون عبرة لمن يعتبر، ولتأكيد حقيقة: أن طريق النزاهة والشرف ولو قل سالكوه.. فإنه يترك أثرا لا يُمحى مع مرور السنين.
[email protected]