«إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة.. ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة» كلمات عظيمة ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله، تعبر عن حالة الاستقرار والتقدم الذي تنعم بها اغلب الدول المتقدمة في العالم لارتكازها على مبدأ تحقيق العدالة كأساس لتقدمها وتطورها، وترسخ ثقة المواطن في وطنه، وتفسر حالة الفوضى والفتن التي تعيشها أغلب بلاد المسلمين في زمننا الحالي، لا أنسى مقالا قرأته في جريدة الراي عام 2016 يناشد فيه أحد الأشخاص من فئة البدون أحد المسؤولين في وزارة الصحة أن يتنازل عن قضية سجن لمدة 3 سنوات مع غرامة 350 والإبعاد عن البلاد لابنه المريض وغير السوي بسبب سرقته (جهاز ريموت كونترول) من سكن الممرضات، مع تعهد منه بدفع المبلغ وتعويض الوزارة وشراء ريموت جديد!
أنا في هذا المقال لا أدافع عن فعل السرقة ولو كان «لريموت كونترول»، ولكن أستذكر الحديث الشريف: «.. إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد!»، ونحن اليوم في منتصف عام 2020 مرت علينا خلاله سرقات وتجاوزات مالية وغسيل أموال تضاهي قيمتها ميزانيات دول ! خلاف قضايا الفساد التي كنا نقرأها في الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي في السنوات الماضية، ونسمع فيها عن «خفافيش الظلام» ونجدهم يسرقون أموالنا في وضح النهار..! من دون أن يتجرأ أحد حتى على ذكر اسمهم.. وإلا «راح ورا الشمس!» بسبب القوانين التي شرعوها وأدت إلى تراجع حرية الرأي في البلاد.
فعلى الرغم من وجود العديد من المؤسسات الرقابية في البلد الا أن أغلب قضايا الفساد تم كشفها عن طريق «الصدفة»، فبعد اكتشاف ملايين صندوق الجيش انتقلنا للحديث عن موضوع تجار الإقامات بعد أزمة كورونا، ثم يفتح موضوع اكتشاف تجاوزات مالية في المكاتب الصحية في الخارج، ثم يظهر خبر هز سمعة المؤسسات المالية في الكويت من صحف عالمية حول شبهات فساد في صندوق مالي ماليزي، ثم أيضا عن طريق الصدفة يتم اكتشاف نائب بنغالي «شاري شوارب» عدد من المتنفذين في الدولة لتسهيل عمليات دخول عمالة بنغالية منذ أكثر من 15 سنة! كلها أخبار تنتشر من أجل شغل المواطن بها وإلهائه بخبر جديد لكي ينسى مصير الخبر الذي سبقه أو ربما من أجل التستر على ما هو أكبر، أتمنى ألا نصحو عليه بعد فوات الأوان، وأعلم أن الشعب الذي ينتخب الفاسدين ليس ضحية بل شريكا في الفساد، ولكن لم يعد بأيدينا أي حيلة لمواجهته حتى في الصناديق الانتخابية كونها هي الأخرى أصبحت أغلب مخرجاتها مسيسة وترتكز على الفرز الفئوي والطائفي والانتخابات الفرعية وشراء الأصوات!، أخشى أن يأتي ما حذرنا به الراحل د.أحمد الربعي: أنه سيأتي يوم لن نستطيع فيه أن ننقذ البلد، لأن التاريخ يقول: إن الأمم التي سكتت عن الفساد ونخر فيها ودخل مؤسساتها.. انهارت! ما يعطينا بارقة أمل وبصيص من النور: أن معظم حالات الفساد المذكورة تمت في عهود سابقة، والعهد الحالي هو الذي كشفها.
والسؤال: هل سنرى النور؟
[email protected]