ربما ارتكب المرء ذنبا فتحسر وأسف على ذلك، ومن منا لم يرتكب ذنبا، ومن منا لم يخطئ، وحسن أن تندم على ذنبك وتعزم على عدم الرجوع إليه، فهذا أول خطوة لك في الطريق الصحيح، أما ما فاتك فلا تأسف عليه فأنت مسير لا مخير، لعل في ذلك الخيرة لك وأنت لا تعلم، وإن زلت قدمك فحاول قدر إمكانك ألا تزل مرة ثانية، ومن منا لم تزل قدمه، وفي ذلك يقول ابن معصوم المدني:
دع الندامة لا يذهب بك الندم
فلست أول من زلت به القدم
والحقيقة أن خيرنا من أناب وتاب واستغفر العزيز الوهاب، فلننس يومنا الغابر ولنفكر بيومنا الحاضر، وقد بين لنا هذا الشاعر أمرا مهما قد يكون غاب عن بعضنا فقال:
هي المقادير والأحكام جارية
وللمهيمن في أحكامه حكم
إذن هي المقادير، حكمة الله تعالى وقضاؤه في عباده، الرقيب المسيطر، فلا غالب لإرادته، فما الذي نفعله في مثل هذه الحالة؟ وكيف لنا أن نتصرف؟ هو يقول:
خفض عليك فما حال بباقية
هيهات لا نعم تبقى ولا نقم
هون عليك الأمر ولا يذهب بك الهم بعيدا ولا تبال بما مضى، فدوام الحال على ماهي عليه محال، وإنما الأمر بيد الذي إذا قال للأمر كن فيكون، فلا حسن الحال وراحة البال بباقيين، ولا الشدائد دائمة فكل ذلك سيزول، (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ـ الرحمن: 26 -27).
يروى أن عروة بن الزبير، وهو أحد الفقهاء السبعة بالمدينة وأبوه الزبير بن العوام رضي الله عنه أحد الصحابة العشرة المبشرين بالجنة، وأمه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن أبيها، خرج من المدينة قاصداً الوليد بن عبد الملك في دمشق، وفي الطريق أصابه مرض في رجله تألم منه كثيراً، حيث وقعت «الأكلة» في رجله، فلما وصل دمشق جمع له الوليد الأطباء فلم يجدوا له دواء وأجمع رأيهم على قطع رجله كي لا يسري المرض إلى جسمه، فقطعها الطبيب، وما تغير وجهه، وما نظر إلى رجله المقطوعة حتى قال: إن الله يعلم أني ما مشيت بك إلى معصية قط، ثم وقع ابنه محمد وهو أعز أبنائه في اسطبل الخيل فداسته حتى مات، فما زاد على أن قال: لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا، اللهم كان لي بنون سبعة فأخذت واحدا وأبقيت لي ستة، وكان لي أطراف أربعة فأخذت طرفا وأبقيت لي ثلاثة فلك الحمد، وأيم الله لئن أخذت لقد أبقيت، ولئن ابتليت لطالما عافيت.. هذا، ودمتم سالمين.