مقادير كل شيء مكتوبة شأن إلهي لا شأن لنا به وليس باستطاعتنا تغيير هذه المقادير، قضى بذلك الحكم العدل، يقول المولى عز وجل: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها) (الحديد- ٢٢)، وكذلك خطى المرء محسوبة ومحسومة، فما كتبه الله لك لن يأخذه غيرك، مهما بلغت الأسباب حتى لو تعلقت بالسحاب، لذلك لابد لنا من التسليم لإرادة الله تعالى، واليقين بقضاء الله وقدره، والصبر على الشدة وانتظار الفرج، والأمثلة على ذلك كثيرة ومنها أنه ضيق على هارون الرشيد وهو ولي عهد أخيه موسى الهادي، حتى يئس من الخلافة وآثر سلامة نفسه وضاقت عليه الدنيا بما رحبت، وتعرض للأذى الشديد ليتنازل عن حقه في الخلافة إلى موسى الهادي، ففاجأ الموت موسى الهادي على غفلة بعد سنة من خلافته، فبشر هارون الرشيد بموت الهادي وبولادة ابنه الخليفة عبدالله المأمون في ليلة واحدة، فمات خليفة وتولى خليفة وولد خليفة، وهذا أمر الله الذي لا راد له، ومن ذلك أيضا ما رواه القاضي التنوخي في الفرج بعد الشدة، فقد ذكر أن رجلا من الصالحين ألح عليه الغم وتعثرت أموره حتى كاد يقنط من رحمة الله التي وسعت كل شيء فسار يوما وهو يقول:
أرى الموت لمن أمسى
على الذل له أصلح
فهتف به هاتف بسمع صوته ولا يرى شخصه:
ألا يا أيها المرء
الذي الهم به برح
إذا ضاق بك الأمر
ففكر في ألم نشرح
فواصل الرجل الصالح قراءة سورة الشرح في صلاته فشرح الله صدره وفرج همه وكربه، وحسنت حاله، وهكذا الدنيا فما من شدة إلا ويتبعها الفرج، قضى بذلك خالق الأرض والسماء، وعلى هذا السياق يقول الشيخ عبدالعزيز الدريني:
مشيناها خطى كتبت علينا
ومن كتبت عليه خطى مشاها
ومن كتبت منيته بأرض
فليس يموت في أرض سواها
عجبت لمن يقيم بأرض ذل
وأرض الله واسعة فضاها
والراضي بقضاء الله جازم ومتيقن بأنه لا تبديل لكلمات الله، ولا راد لحكمه، وأنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وهنا تكمن سعادة الإنسان وراحة باله.