تضاربت التصريحات والممارسات من قبل أعضاء الحكومة المستقيلة والنواب عقب حكم القضاء الكويتي على الخلية الجاسوسية الإيرانية، فلقد نشرت بعض الصحف، من جهة، أن إبعاد الديبلوماسيين الإيرانيين لم يحظ بإجماع الحكومة المستقيلة، غير أن موقف وزير الخارجية الشيخ د. محمد الصباح كان حاسما في هذا الشأن كما هو معروف، أما بعض النواب فقد أخذتهم حماستهم المذهبية نحو هذا الطرف أو ذاك.
لا أشك للحظة أن القضية التي نحن حيالها هي قضية من نوع خاص، ذات طابع أمني وسياسي جلل، وعليه فإن التشنج في تبني موقف ما حيالها، لن يقدم أي مساهمة في حلها، وبغض النظر عما جرى، أحاول في هذا المقال التنبيه على بعض مبادئ «الواقعية السياسية»، والتي تشكل من وجهة نظرنا أساس أي موقف عقلاني تجاه القضية.
*الكويت دولة صغيرة تقع بين دول أكبر لكل منها أجندتها الواضحة في المنطقة حتى وإن طرأت على إحداها بعض التغيرات ولا زالت (العراق)، وعليه يبدو أن سياسة التوازن أمر لا مفر منه.
*يبدو أن سياسة التوازن هذه قد أسيء فهمها وبخاصة مع إيران ففقدت واقعيتها تدريجيا، خاصة بعد الدور الجيد الذي قامت به إيران تجاه الكويت في مناسبات عدة كحادثة الصامتة 1973، والموقف تجاه المقبور صدام حسين. أقول ان هذه السياسة فقدت واقعيتها تدريجيا وذلك بسبب «الوهم» الذي أصاب سياستنا الخارجية بإمكانية بناء علاقات «ثنائية» و«متوازنة». من الوهم أن نصف علاقة دولة قوية تمتلك برنامجا نوويا بأخرى لا تمتلك شيئا على أنها علاقة متوازنة.. ذلك هو منطق الأشياء، فالضعيف لا يملي ما يريد على القوي.
*خرجت بعض التصريحات من قبل بعض المواطنين لتؤكد على «الخير والمودة» التي أظهروها تجاه إيران وأنهم قد شعروا «بالخيانة» لقيام إيران بهذه الأعمال الجاسوسية.. وإن صح مثل هذا القول، فهو لعمري تجسيد واضح «للمثالية السياسية» التي ترى التعاون شكلا رئيسيا للعلاقات بين الدول على أساس من الأخلاق. ما تقرره «الواقعية السياسية»، على النقيض من هذا، هو أن العلاقات بين الدول تقوم على أساس من التنافس والصراع. ولم لا؟ فما يقود الدول اليوم وفي السابق «واقعيا» هو المصلحة والأمن والنفوذ، أي الاستحواذ على القوة.
*لا تنكر «الواقعية السياسية» بعض الجوانب الأخلاقية في السياسة، ولكنها تشكك فيها كمحرك أساسي لسياسات الدول. ما نؤكده، من جهة أخرى، هو ضرورة وجود الحاكم المتدبر الفطن الذي باستطاعته صنع القرار انطلاقا من حساب جيد للنتائج السياسية، تلك العقلانية الواقعية هي ما نرجو لحكوماتنا الجديدة.
[email protected]