صور الروائي الانجليزي «إ.م. فورستر» في إحدى رواياته خيارا صعبا قد يقع فيه المرء بين اختيار حب الصديق وحب الوطن، وكان قصده دون شك هو ذلك المأزق الذي نجد فيه أنفسنا بين اختيار خيرنا الخاص والخير العام، خيرنا الخاص أي المنفعة التي تعود علينا شخصيا أو على المحيط الضيق الخاص بنا كالأصدقاء وأبناء الأسرة والطائفة والعرق...إلخ. أما الخير العام فهو المنفعة التي تعود على أبناء المجتمع ككل بغض النظر عن هذا الشأن الخاص أيا كان شكله. يفضل «فورستر» أن يخون وطنه وذلك إذا خير بين خيانة الوطن وخيانة الصديق نظرا «لأن الشهامة والرجولة تتطلب الوفاء للصديق أكثر من أي شيء آخر». يفضل «فورستر» بتعبير آخر «القيم الخاصة» على «القيم الكلية» أو «العامة». لقد أوقعنا «فورستر»، في اعتقادي، في مأزق اختيار زائف، فالولاء للوطن فضيلة وخيانته رذيلة، ومن يخن في أمر ما بل ويبرر هذا فإن بإمكانه الخيانة في أمور أخرى: من يخن الوطن يسهل عليه خيانة الصديق ويبدو أن هذا ما حدث، ففي عام 1930 تأثر بأفكار «فورستر» ثلاثة من طلبته في «كامبردج»: ك.فيلبر ود.ماكين وج.بورغس. ففضلوا الولاء للصديق على الوطن، فعملوا لاحقا كجواسيس للاتحاد السوفييتي وأوصلوا معلومات هامة عن لندن إلى موسكو وهم في مواقع هامة لدى الاستخبارات الإنجليزية، قاموا بالعمل هكذا حتى تم فضح أمرهم في عام 1950 فهربوا بعد ذلك إلى موسكو. ولكنهم ما إن وصلوا هناك حتى خان بعضهم بعضا فانتهت صداقتهم نهاية بشعة. ليست الخيانة «تاكسي» نركبه وننزل منه متى شئنا، فمن يخن مرة تسهل عليه الخيانة كل مرة. وأتباع «فورستر» هم كثر في الكويت، بل وكشفت أوراقهم. إنهم هؤلاء الذين يضعون هويات عدة يتماهون معها «قبل» هوية الوطن، وهم من يرفضون الدفاع عن الوطن بسبب فتوى دينية ما، وهم الذين يضعون مصلحة الطبقة الاجتماعية والمذهب والقبيلة فوق وطنيتهم، إنهم أول من يطعن الوطن في خاصرته فيسقط جريحا لا ينقذه أقرب البشر إليه: أبناؤه. ألسنا اليوم بأمس الحاجة لاستفاقة جديدة، صحوة تحررنا من أمراض أنفسنا؟
[email protected]