يحدثني صديق أنه قدم لصديقه الكثير وكانت بينهما علاقة وثيقة، وبعدها ومن دون سابق إنذار، أراد هذا الصديق إنهاء العلاقة، فيقول: أرسل لي برسالة طويلة يخبره فيها عن الأسباب التي دعته لإنهاء هذه الصداقة، فلما قرأها يقول لي: كنت في قمة الغضب والحنق على طريقة انهاء العلاقة دون سبب مقنع، فأمسكت بهاتفي ورددت عليه بكلمتين «شكرا مع اسم عائلته».
ترى شخصا مهموما مغموما، مطرقا برأسه إلى الأرض، قد اسودت الدنيا في عينيه، فتسأله عن حاله: فيجيبك بكلمة واحدة «بخير».
وأزواج لا يحسنون فن التعامل مع بعضهم بعضا، فتجدهم في خلاف دائم، فلا هو يعرف ما تريد، ولا هي تفهم ما يقصد، وتنتهي أغلب إجاباتهم بـ«الصمت».
الإجابات المختصرة في حقيقتها هي إجابات طويلة، وتحتوي على الكثير من المعاني والرسائل المبطنة، والمخفية، والتي قد تغيب على الكثير منا.
فالأول كان رده بكلمتين تحملان الكثير من مشاعر الغضب والحنق لاستهانة الطرف الآخر بمشاعره، والثاني رد بكلمة واحدة «بخير» ولكنه ليس بخير في حقيقة الأمر، فالهموم والأحزان تظهر على الملامح ولا يستطاع إخفاؤها، والأزواج كان الصمت وسيلتهم لإنهاء نقاشاتهم وصراعاتهم المتكررة، فحينما يعجز اللسان عن البيان يكون الصمت هو الوسيلة الفاعلة أحيانا.
البعض قد تكون الكلمات القليلة وسيلته للتعبير، والبعض قد تكون الكلمة المفردة طريقته بالإخبار، والبعض قد يتبع أسلوب الصمت حينما يكون إخراج الكلام قاسيا.
في بداية العلاقات الجدية تكون لغة التواصل هي العيون، ولغة الانجذاب هي الإيماءات، ولغة المشاعر هي الكلمات المنتقاة.
الإجابات المختصرة قد تكون توجسا، أو ترقبا، أو انتظارا. الإجابات المختصرة قد تكون نفورا أو عدم رغبة أو كرها. الإجابات المختصرة قد تكون سرحانا، أو حيرة، أو شرودا.
يعاني الكثير في فهم الرسائل المراد إيصالها من الإجابات المختصرة، لأنها مختصرة وموجزة، وليس الكل قد رزق القدرة على فهم العبارات والجمل كما يعنيها قائلها.
في البداية لا بد أن نفرق بين الذي وصلت لك منه هذه الإجابة المختصرة، فالعلاقات منها القوية والمتينة، ومنها الضعيفة والرقيقة، العلاقات منها التي بنيت على أسس وقواعد صلبة، ومنها ما بنيت على أسس وقواعد هشة.
فلا يصح أن نزن الناس كلهم بنفس الميزان، ولا أن نضعهم جميعا بنفس المقام.
إذا وردت عليك أو سمعت إجابة مختصرة من طرف تحسن الظن به، وله بقلبك قدر وميزان، فعليك أن تقدم حسن الظن على سوئه، وأن تجد لإجابته مخرجا. يقول جعفر بن محمد: إذا بلغك عن أخيك الشيء تنكره، فالتمس له عذرا واحدا إلى سبعين عذرا، فإن أصبته، وإلا، قل: لعل له عذرا لا أعرفه.
ما كتب بالأعلى ما هي إلا مفاتيح قليلة وكلمات موجزة عن جزء يسير من الإجابات المختصرة، وإلا فالحديث يطول والمقام لا يتسع لحصر جميع الإجابات، والإتيان على جميع المواقف، فالمقصود قد بينته، والمراد قد أوضحته.
[email protected]