نرمين الحوطي
إذا ما سكن الليل، وتحدث الظلام، وصغت القلوب والضمائر، اخلو الى نفسي، وأتحسس ابعاد وجودي الانساني، اعيش الدقائق التي تعبر الزمن، لتصبح تاريخا، اعيش مع الزمن، مع التاريخ، مع واقعنا حتى اصل الى اللحظة التي استجمع فيها اشلاء نفسي، ودائما أبدا اصل اليها، وكالبركان يثور سؤال في اعمق اعماقي ويتفجر في احساسي بإلحاح، وينفعل به قلمي، وسؤال اليوم، من هي المرأة الكويتية؟
هي ابنة شاطئ خليج الدر، لؤلؤة الامس، سليلة الغواص، والسيب والتباب، والفهام، وراعي السفينة، والنوخذة، هي ابنة شمس الصحراء الحارقة، ابنة الصبر والجلد، وابنة الجوع والعطش، ابنة الامة التي أنجبت خاتم الانبياء والمرسلين، هي المرأة التي كانت أما وأبا طوال العام الا بضعة ايام، يخرج الرجل لرحلة الغوص، ويعود فيمكث على الارض اياما قليلة بين اهل بيته واعداد البوم، والسنبوك، والسوعي الكبير، ليعود الى البحر يــــصارع المـــوت والمـــوج، في رحلة السفر الى البصرة يحمل منها التمر والى بومباي يبيع فيها الدر، وينقل نفائس الشرق الى افريقيا، وعلى طول المسافات يحمل مع تجارته حضارة الاســـلام ورسالة المحبة والسلام، وتعيش المرأة الكويتية جانبي الحياة، الأم، والأب، في ذلك الجسد الناحل القوي تبني الحياة، وترضاها.
وتنفجر الارض الجدباء القاحلة بالخير، وتندفع فيها الحياة بقوة، والارض الطاردة لسكانها للبحث عن الرزق، تستعيدهم وتطلب المزيد، وتعوض الارض سكانها عن قسوة السنين، وتمكن سكانها من التحكم في اقتصاد العالم، ويظل السؤال الحائر أين تقف المرأة الكويتية بعد ان تعلمت والتحقت بأرقى جامعات العالم، وازدهرت الارض وأنبتت ثمرات وزهرات؟ أين المرأة ذات الجسد الواحد، وجانبي الانسان المرأة والرجل؟
حقا عندنا رائدات في شتى فروع العلم، والأدب، ودروب الحياة الاجتماعية، وعندنا اجيال متحمسة لحمل الرسالة، لكن هناك الكثيرات، الكثيرات، اسكرتهن نشوة قفزات التطور، والتغير، والصراع مع الزمن، كثيرات، كثيرات، اسكرتهن النشوة فنسين أنفسهن، فأخذن القشور دون اللب، وصرن اشبه بالغراب الذي حاول تقليد مشية الطاووس، كثيرات، كثيرات، اصبحن عبيدا للمظاهر المستوردة، واسيرات عادات غريبة عنا، اصبحن اشبه بالاجساد التائهة، ونسين انهن بنات واحفاد المرأة ذات جانبي الانسان، المرأة التي مارست حق المساواة الكاملة فأثبتت جدارتها اجيالا واجيالا منذ عهود لم تكن فيها الحضارة الغربية قد نادت حتى بمثل هذه المساواة، والتي مازالت تصارع من اجلها حتى اليوم في بقاع كثيرة من العالم.
أليست هذه حقيقة المــــرأة الكويتية اليوم؟ ألم يحن الوقت بعد ان تعــــود نفوس الكثيرات منا من الغربة التي عشن فيها زمنا؟ الا يجب ان تتــــحسس المرأة الكويتية ابعاد وجودها الانــــساني وتقوم بدورها الايجابي البناء كنصف فعال في هذا المجتمع؟ ألم يحن الوقت لمواجهة حساباتنا لنقف وقفة صادقة امام أنفسنا، ونحاول الرجوع الى اصلنا من هجر انفسنا والاغتراب عنها؟ ألم يحن الوقت ان نتخلص من سلبيتنا وبريق حضارة كاذب قد خـدعنا؟
انني اؤمن بأن الميعاد لم يفت، وحان وقت الايجابية من سنوات مضت، وليس العيب ان نخطئ، ولكن الخطأ كل الخطأ، والعيب كل العيب ان نستمر فيه.