كلمة «الجرى» إذا كانت اسما كما هو عنوان مقالتنا فهي تعني «الصبا»، أما إذا كانت فعلا فلها معان عديدة وفق ما يتبعها من مفعول، فعلى سبيل المثال لا للحصر تعني تدفق الماء أو إبحار السفينة وغيرها من أفعال، ومن هنا وهناك يبقى لدينا مكنون الشخصية وهو «أبوجرى».
بدأت القصة عندما ذهبت للتهنئة بعيد الفطر لأحد الأصدقاء «بومحمد»، وهو شخصية قيادية وسياسية ذات ثقل في الدولة، وكان الكثيرون متواجدين لتهنئة «بومحمد»، وبعد السلام على الأصدقاء والتعارف على من لا نعرفه في المجلس، دار حديث بين الجميع، وتطرقنا إلى علم الصخور وكيفية استفادة الإنسان منه وفق علم الطاقة، وتحدثت بدوري بإسهاب عن هذا العلم، وإذا بـ «ابوجرى» يعلق على حديثي: عفوا، أعتقد أن كل ما ذكرتِه ما هو إلا عملية نصب واحتيال من أجل المكسب المادي! فأجبت: كيف ذلك أستاذي؟ فهذا العلم موجود منذ نشأة الخليقة وبعض الحضارات كانت تؤمن به. وتحول الموضوع من علم الصخور إلى فنون الحضارات إلى أن وصلنا إلى الأديان السماوية، وكان الجدال والحديث يأخذ الطابع الحضاري بالسؤال والإجابة دون تعصب للرأي، وأثناء ذلك الجدال والحديث كان «بومحمد» يسمع لنا دون أي تعليق إلا عندما وصلنا للأديان السماوية وبدأنا بالحديث، هنا وجدت «بومحمد» يقول: أبوجرى اشفيك؟! لا تجادل هذي دكتورة! فرد: ويعني، طال عمرك؟
فتدخلت قائلة: أنت صح يا أبوجرى، فالدرجة العلمية لا تحجب الرأي، فكثيرا ممن يحملون درجة الدكتوراه لا يملكون من المعرفة والعلم شيئا يا بومحمد.
انتهت القصة وبدأت سطورنا التي تؤيد ما قاله أبوجرى، وهي أن كثيرا من الناس يظنوا أن من امتلك شهادة الدكتوراه امتلك العلم والمعرفة، وهذا مفهوم خاطئ لأن من قام بالنيل من تلك الدرجة نالها في تخصص منفرد في جزئية في بحور المعرفة والعلم، ولكن ما جعل الكثير لا يجادلون ممن يحملون حرف «د» أن بعض ممن يحملونها يرفضون الحوار مع الآخر والاقتناع بآرائهم حتى إذا كان الآخر على صواب، وهذا هو الغرور والغباء في آن واحد.
قد يندهش البعض لكلماتنا، ولكن تلك هي الحقيقة، فما قرأناه ونقرأه ما هو إلا تجارب شخوص من الممكن ان يكون البعض منهم لا يمتلكون الدرجة العلمية ولكنهم يمتلكون الخبرة ويبحرون في الكثير من ميادين العلم والمعرفة وهنا يكمن تضارب الصراع، فمن يملك «د» دون أن يقرأ في الكثير من المعرفة فهو امتلك حرفا وفقد المعرفة، أما من امتلك القراءة في الكثير من العلوم وفقد «د» فقد امتلك العالم والعلم، وهنا أقول «صح لسانك يا بوجرى».
* مسك الختام: لايزال المرء عالما ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل.
[email protected]