أصحاب الثوب الأصفر اختاروا مهنتهم الشريفة لتكون معينا لهم على ضيق العيش، غالبيتهم من الجنسية البنغلاديشية، يقبلون (ظاهرا) العمل برواتب لا تتعدى 70 دينارا، هذا إن قامت الشركة بمنحهم رواتبهم في مواعيدها! ولم تتسبب كما حدث سابقا في ثورة الجياع، التي هزت الكويت.
لا شك أن هذا ليس رقما مشجعا على العمل، لذلك نرى الكثيرين منهم منتشرين في الشوارع، وأمام فروع الجمعيات التعاونية، وساحات الوزارات، والمجمعات، والمستوصفات والمقابر ليس بهدف التنظيف، وإنما للتسول فقط واستدرار العطف، عبر وسائل تمثيلية مختلفة، كما يتمركزون أمام إشارات المرور بانتظار اللون الأحمر في مشهد درامي اعتادوا عليه يوميا، فهم لا يجمعون القمامة، وإنما يوهمون المارة أنهم يفعلون ذلك.
هذه الظاهرة السلبية والتسول المقنع يتم على مرأى ومسمع الجميع، من دون تحرك أي جهة لوقفها، واجتثاثها من جذورها باستثناء بعض القرارات الخجولة، وهذا شجع ضعاف النفوس والجشعين على التسلق على أكتاف عمال النظافة المقهورين والتنفع من ورائهم، وأنا هنا أتحدث عن مسؤوليهم المباشرين، الذين يتقاضون إتاوات بالنسبة مقابل تسهيل تمركزهم في أماكن جيدة للتسول، وكل موقع له تسعيرة، فبعض الأماكن يسيل لها اللعاب، وبالطبع التسعيرة أغلى، ويبدأ مسلسل المزادات.
المشكلة ليست في هؤلاء الذين اضطرتهم الظروف للعيش بهذه الطريقة، وإنما في بعض مسؤولي الشركات التي تقوم بإدارة هذا العمل، وتتواطأ معهم لتحقيق مكاسب وخصوصا خلال شهر رمضان المبارك وأجواء البذل والسخاء، وغياب الرقابة، وهذا يضع المعنيين أمام مسؤولياتهم في تتبع ما يجري، فهذه لم تعد شركات نظافة وإنما طرارة، وهؤلاء امتهنوا التسول لتلبية احتياجاتهم، وسداد المبالغ التي دفعها بعضهم للسماسرة لدخول الكويت والتي تصل إلى أكثر من 1000 دينار.
لا يولد الإنسان مجرما، وإنما المجتمع له شأنه الكبير في تحديد سلوكه، فقيام عصابات من الجالية البنغالية بسرقة أغطية المناهيل، والمتاجرة بالخمور وتصنيعها في مدينتهم جليب الشيوخ، وخطف الخادمات والمتاجرة بهن في العمل اليومي ليس أمرا مدبرا، وإنما هو بسبب عدم سداد رواتبهم، ومنحهم الحياة الكريمة، وبالتالي نحن نساهم في صناعة قنبلة موقوتة، وتحويل بعض هؤلاء من جالية عمل إلى جالية إجرام وقتل.
في الكويت 17 شركة نظافة، تم التعاقد معها، ومسؤولو البلدية وجهوا بمنع تواجد العمال أوقات الذروة عند الإشارات، مع إلزامهم العمل في المناطق، ولكن هذا لم يمنع هذه الظاهرة بل هي في ازدياد وتوسع، وتقديم الأموال لهم تحت أي مسمى ليس حلا للمشكلة، بل تعزيز لها.
حقيقة نحن أمام ظاهرة غير حضارية، تقتضي حلولا عملية وفعالة، تبدأ بحملات مفاجئة من المحافظات والبلدية على العمالة الهامشية، ودفع رواتب العمالة، وتوفير السكن الملائم، ففواتير جوال الواحد فينا قد تكون أعلى من راتب العامل، مع توقيع عقد عمل يحترم الإنسان ويقدر قيمته، ويضع شرطا يقضي بالترحيل في حال ضبط العامل في موضع تسول أو قبول أموال من المارة وعند مواقف الجمعيات وإشارات المرور، مع القيام بحملة تنظيف ومراقبة مستمرة لهذه الشركات من المسؤولين الفاسدين.
طفح الكيل على هذه السلوكيات غير الحضارية من عمال النظافة، وعلى مثل التصرفات غير الأخلاقية من جانب بعض مسؤولي شركات النظافة، والتسلق والتكسب على حساب البسطاء الذين يسعون للقمة العيش في بلد الإنسانية!! ولابد من وضع حد لما يجري وإغلاق هذا الملف المظلم.