ديوان الخدمة المدنية «مالئ الدنيا وشاغل الناس»، بوابة التوظيف، والجهاز المسؤول عن استقرار الوضع المعيشي، بناء ضخم، وجيش من الموظفين لاستقبال الطلبات والتوزيع حسب الشواغر.
كلام طيب، ومسؤوليات كبيرة، لكنه منذ الإنشاء عام 1979 يدار بعقلية واحدة، ومختطف من قبل جالية من جنسية واحدة، تتحكم في قراراته ومصير أبنائه، وهم للأسف مجموعة مسيطرة تتصرف على هواها.
الواسطة تنخر في جسده، والتوزيع ليس عادلا أحيانا، والبعض يتوسط للحصول على وظيفة، والبعض إما أن يؤخر أو يعين في جهة لا تمت بصلة إلى اختصاصه، وقد يحالفه الحظ بما يروق له، فلا عبرة ـ أحيانا ـ للتخصص، وهناك مئات الحالات، فمهندس نفط ـ على سبيل المثال ـ يعين في وزارة التربية أو الأوقاف، وهكذا من تعيينات تساهم في عرقلة التنمية المنسية.
ما هو غير معلن أن هؤلاء المسيطرين لا يريدون تعيين الكويتيين إلا بنسب قليلة، مع رفع شعار وهمي عنوانه «التكويت»، وإذا كان هذا شعارهم فلنبدأ بتكويت «الديوان» نفسه، فسياسة الإحلال متبعة في دول مجلس التعاون والجميع يسعى إليها.
أعداد العاطلين في ازدياد، والأرقام تكشف ترشيح الديوان لأكثر من 30 ألفا للعمل في الجهات الحكومية بينهم رافضو جهة العمل، وهذا الرقم مخيف في ظل ارتفاع مخرجات الجامعات، وزيادة طالبي التوظيف، فما يجري لا يمكن السكوت عنه، فـ«الديوان» بحاجة إلى تحول جذري في ثقافة التوظيف، ومطالب بالالتفات للعمالة الهامشية التي هي عبء على الدولة.
إن جزءا من معايير فرز وتقييم المترشحين لا يزال مرتبطا بإدارة الكم وليس النوع، حيث تتضخم أزمة تخصصات المرشحين، ولا تنسجم مع المؤهلات المطلوبة لإحداث القيمة المضافة في الوظائف الشاغرة، ما يجعل كرة الثلج تكبر، فاستيعاب الجهات الحكومية تضاعف 4 أضعاف الحاجة الفعلية، رغم تقليص القوى العاملة الأجنبية وتعزيز التوطين، ما يزيد البطالة المقنعة 80%، ويؤكد انحراف سياسات التوظيف عن أهداف التنمية، ما ساهم في نشر «الحضور الشكلي» ورواج ثقافة الإفلات من العقاب.
لدينا مشكلة أخرى في تخفيض أعداد المسجلين في نظام التوظيف المركزي، وخصوصا في الشهادات المتوسطة وما دونها، والحل يكمن في تكويت مختلف الأعمال حتى في السكرتارية أو الطباعة، وإخضاع الكويتيين لدورات تدريبية بدل الانتظار لسنوات.
ومن اللافت للنظر أن «الديوان» الذي يعمل من 8 حتى 1:30 يغلق أبوابه أمام طلبات التسجيل والتعديل وتغيير الرغبة، ويحصر ذلك في النظام الإلكتروني، باستثناء الهيئة التمريضية والمدرسين، فلماذا لا يتم فتح الباب للجميع، ولماذا ينتظر الخريج شهر سبتمبر، ويبقى عاما أو عامين بعد التخرج، ومن يسجل مرة لا يستطيع التغيير وعليه انتظار الإعلان عن فتح باب التقديم.
هذا الأمر لا يساهم في التنمية، لذا نحن مطالبون بفتح الباب طيلة أيام العام لاستقبال الطلبات إلكترونيا، وربط الجهات مباشرة بالنظام، بحيث يتم فرز الرغبة إلى الجهة التي لديها شواغر مناسبة.
أخيرا.. لا نريد لأبنائنا أن يكونوا لقمة سائغة في أيدي الفاسدين، فتجار الممنوعات يستقطبون بعض الشباب العاطلين عن العمل، فمن أغلقت دونه أبواب العمل الشريف قد تسول له نفسه مرغما البحث عن أي عمل حتى لو كان ضارا به وبمجتمعه، فلنحرص على جعل «الديوان» أكثر فاعلية وألا يكون عبئا على البلاد بسبب الجمود وغياب ثقافة التوظيف.