الحراك عكس الموات، وهو حيوية وعقول نشطة تحاول أن تحرك الرواكد وتزحزح السواكن.
وليس من منصف إلا ويشهد بأن مجتمعنا نشيط ومتحرك وديناميكي، وهذه هي سمته الدائمة منذ أيام الغوص والسفر حتى ما بعد النفط والدستور.
وأحداث الأيام الماضية أو ربما الشهر الماضي منذ ـ حادثة الصليبخات وما أعقبها، لدليل وتجسيد لذلك الحراك.
والحراك في مجمله محمود ومطلوب ولكن ترشيده وتعقيله واستغلاله إيجابيا هو ما يجب العمل عليه، حتى لا يكون حراكا طائشا غير ذي جدوى ولا يحقق للمجتمع الأمور الإيجابية المراد تحقيقها من ورائه.
وفي حراك الشهر الماضي حميد كثير وخبيث قليل، فحميده هو الحراك ذاته، والتفاف الناس حول الدستور ومحاولتهم حمايته وتفاعلهم مع الحدث السياسي الذي وصل في محطته ما قبل الأخيرة إلى استجواب رئيس الوزراء وطلب طرح الثقة به. وهذا مؤشر على حيوية الناس ومحاولتهم أن يكونوا داخل دائرة التأثير وربما التغيير. وقبل أن آتي على ذكر الخبيث في هذا الحراك، دعوني أفتح قوسا كبيرة أو فكرة اعتراضية: (أي جماعة هي في بحث دائم عن زعيم، والزعيم لا يصنع نفسه بل إن الأمة هي التي تصنعه كما يقول إحسان عبدالقدوس وفي اعتقادي أن عندنا أكثر من زعيم أو من يملك مواصفات الزعيم ولكن ليست عندنا قضية تصنع زعيما).
أما الخبيث فهو أن من يملكون مواصفات الزعيم عندنا يمكنهم التحرك حتى في تلك المساحة الضيقة، فعدم وجود قضية لا يمنع وجود الزعيم، بل إن الزعيم الحقيقي هو القادر على أن يصنع «قضية، من اللاقضية».
والقضية ليست بالضرورة أن تكون كبيرة ومجلجلة، ولكن القضية قد تكون من الصغر بحيث لا تحس ولكنها بالأثر والتأثير تبقى أبدا ولا تفنى.
وأعني بذلك أن الكثيرين التفوا ومازالوا يلتفون حول بعض أعضاء مجلس الأمة الذين قادوا الشارع طوال الشهر الماضي، ولكن هل خرج هؤلاء الأعضاء بجماهيرهم خارج تلك الدائرة الضيقة التي حبسوا فيها أنفسهم أو أن الأحداث حبستهم فيها؟ أشك في ذلك فلا أظن أن تلك الجماهير زادت في قناعاتها أو في وعيها عن أول يوم التحمت فيه بهؤلاء «الزعماء».
وما أستنتجه أنا وغيري أن هؤلاء الزعماء استغلوا جماهيرهم ولم ينفعوهم بشيء، بمعنى أنهم لم يبصروهم لا بحقيقة الأمور والأحداث التي جرت وقد تجري مثيلات لها مستقبلا، ولا أيضا بما هو الدستور، ولا ما يجب على الجماهير فعله لمواجهة الأمور التي قد تواجهها البلاد، ولا حتى حاولوا إفهامهم طبيعة السياسة وأن الخلاف السياسي لا يعني معاداة البلاد ونظمها، ولا حتى ساهموا في إخراج هذه الجماهير من فكرة ما يمكن تسميته بـ «الديموقراطية العرقية» وأن الانتصار يكون للبلاد والدستور لا ضدهما، الفرصة لم تفت ومازالت قائمة، وعلى زعماء الوقت الراهن أن يستفيدوا من أخطاء زعماء الأمس الذين تعالوا على جماهيرهم وتعاملوا معهم بفوقية، ولكن الجماهير أدركت وأحست ووعت فانصرفت عنهم، لتكتشف أن زعماءهم لم يكونوا جديرين بالزعامة بل كانوا محبين لأنفسهم وكانوا يستغلون الجماهير ويتعاملون معهم كالرعاع!
وأزيد: إن تأسيس القاعدة الجماهيرية الواعية هو أولى أولويات الزعيم!
[email protected]