صالح الشايجي
عندما قرأت له لأول مرة منذ سنوات، تحسست رقبتي وذرفت دمعاً «من خلائقه الكبر» على نفسي وعلى روحي التي سيزهقها ذلك السيّاف الذي توعد بحز رقاب «العلمانيين» ومَن مازال متمنعا على الإسلاميين وعصيا عليهم! لم يطعم خبزهم أو ينم في حجرهم أو يصلّ في كهوفهم!
يومذاك أدركت ان «ساجد العبدلي» ما جاء إلى ساحتنا الكتابية حاملا قلما بل سيفا بتارا يخوض به في ميدان الوغى على حصان أشهب، زاعقا: «أسلم تسلم» وإلا فإن رقبتك وحلالك ومالك وعيالك، حلٌّ لنا نبيعك إن حظينا بك حيا، ونسترق عيالك، ونسبي نساءك!
هكذا كان «ساجد العبدلي» أو هكذا شُبّه لي على الأقل.
عرفته أو قابلته بعد ذلك، فلم أجد منه تلك الفظاظة ولا تلك الغلظة اللتين وسمتا كتابته، فلا هو بالمتعجرف الفظ الغليظ القلب، ولا هو بالنشّار ولا البتّار ولا الجلاد! شخص وديع حيي ذو سمت هادئ، ينطوي على خصال حميدة ولسان عفيف، ووجدته ضمن مجموعة من معارفه ما ظننت مثله يخاللها أو يصادقها، فهم طائفة من أولئك البشر الذين لابد أنهم توجسوا مثل ما توجست أنا من «ساجد» ولكنني وجدت بينه وبينهم مخاللة وصحبةَ طيبٍ تسمو على ما توهمت في «ساجد»!
ومرت الأيام تلتها الشهور واستوت سنوات، ليظهر «ساجد العبدلي»، بثوب جديد وبوجه مصافح للحياة ويد ممدودة للجميع، على رغم ما نعرف من صعوبة أن يتفلت الإسلاميون من أسرهم وما يكابدون في ذلك من أمرائهم «أو من نصّبوا أنفسهم أمراء» على طائفة من البشر كانت تبحث عمن تلوذ به وتحتمي بعباءته! ولكن «ساجد» لم يطل مكثا تحت تلك العباءة فهو أطول قامة من تلك العباءة القصيرة ولم يرض ان يمد رجله على «قد لحافه» بل رمى بتلك العباءة القصيرة المثقوبة، والتي لم تكن «لحافه»!
أكتب عن «ساجد العبدلي» نموذجا لأولئك الإسلاميين المستنيرين «الليبراليين» «الديموقراطيين» الديناميكيين الذين لا يرضون أن يُربطوا بـ «الخيّة»، ويرفضون الاستعباد والاسترقاق والتزلف والالتزام بموقف «الجماعة» في حق أو باطل! لذلك فهو اليوم أشدّنا على «جماعته» المتلونة التي تأخذ من الإسلام قنطرة تعبر عليها للوصول الى مبتغاها.
إنه النقد الذاتي الواضح والصريح والجريء، وهو - مع الأسف - ما يفتقده الصف العلماني «الجبان» بكتّابه ومنظّريه وساسته والذين هم «من غزية إن غوت» غووا و«إن ترشد غزية» رشدوا!
ولكن «ساجد العبدلي» عاف «غزية» ورجمها حين «غوت» ولم يغو معها!