صالح الشايجي
غنى عبدالحليم حافظ أغنيته الملتهبة - آنذاك - «نار يا حبيبي نار»، فاعتلت المسرح فتاة جميلة طوقت عنقه بسلسلة ذهبية، ثم قبلته على وجنتيه ونزلت وسط تصفيق الحاضرين، وأنا منهم، وكان ذلك عام 1959 وفي مسرح معرض دمشق الدولي.
حدث هذا قبل خمسين عاما، وكان مثل هذا الحدث يتكرر كثيرا وأعرف ذلك من خلال متابعتي لصحافة ذاك الزمان.
وتأثير المغنين على سامعيهم فيه شيء من السحر، حيث ينجذب المستمع إلى المغني بحواسه المغيبة ليصبح هالة شفافة وكتلة شاعرية مسلوبة مأخوذة، وهي حالة شعورية عرفناها منذ القديم ومن أيام «القس» و«سلامة» فلقد أُخذ القس بسلامة وهي مغنية ذات صوت ساحر فعل أفاعيله بالقس، واشتهرت قصتهما في كتب الأدب العربي.
قرأت قبل أيام في صحيفة مصرية، أن أحد مغني هذا العصر كان أقام حفلة في الكويت، فصعدت له على المسرح فتاة أو طفلة، وفعلت ما فعلته زميلتها مع عبدالحليم حافظ عام 1959.
ودون أن أكمل قراءة بقية الخبر، عرفت البقية! فقد قامت الدنيا ولم تقعد بعكس ما حدث في دمشق عامذاك، حيث مر الأمر بسلام بل بإعجاب، فليس فيما حدث من حدث، وظهور فتاة على المسرح للتعبير عن إعجابها أو حبها لمغنيها المفضل أمر أقل من عادي، فلا ضير لا على الفتاة ولا على المغني ولا على من شاهد أو سمع أو حضر، ولكن في بلاد العجائب والسكاكين المسنونة الباحثة عن رقبة تحزّها، فإن في مثل ذلك الحدث، جريمة كبرى و«لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى، حتى يراق على جوانبه الدم».
النواب الإسلاميون والمجاميع المنغلقة فكريا وإنسانيا واجتماعيا، وجدت في الحدث فرصة لا للتشفي فقط، بل لإقامة أسيجة جديدة للمنع وعدم الدخول والحرام، ولرفع لافتة جديدة تذكر بـ «عاداتنا وتقاليدنا» تحوطا من انهيار المجتمع الأخلاقي، وتلك نار يرقصون حولها ويحمّون دفوفهم أو «طيرانهم» عليها لحفلة زار جديدة.