يتغنى الناس بأوطانهم ويتغزلون بها ويحبونها ويفتدونها، يحنون اليها في غربتهم، ويُبكيهم شوقهم اليها.
الشاعر يعتلي المنبر يمجد الوطن ويعلو به فوق هام السحاب، والجمهور ينتشي بقول الشاعر فيستزيده ويستعيده، والشاعر يفرح بنشوة جمهوره فيعيد ويزيد ويعلو صوته ويرج الأرجاء.
المغني يعتلي صهوة المسرح ويغني للوطن، فتبتهج قلوب السامعين وتميد أجسادهم وتميس قدودهم، وغالبا ما يرفعون علم «وطنهم» المغنى «له» أو «عليه».
والتلميذ الصغير يكتب موضوعا في حصة التعبير عن حب الوطن.
وهكذا تتعدد أوجه حب الوطن، حتى عند الكتاب والإعلاميين، كم أنشأنا وسطرنا مقالات في حب الوطن! والمذيعون وأخواتهم المذيعات لا ينفكون يتغزلون بالوطن «الحبيب» الذي يفتدونه صباح مساء وكل آن وحين، ولا يكلون ولا يملون!
وذلك لعمري أمر جميل و«اللهم لا اعتراض»!
ترى هل نحن نحب الوطن أم الدولة؟!
إننا نظلم الدولة لصالح الوطن!
فعليا نحن نحب الدولة لا الوطن، الوطن معنى شاعري رومانسي يصلح للأشعار واستدرار العطف وتهييج المشاعر، ليس إلا، أما الحب الحقيقي وهو الحب المادي لا العاطفي ولا الانشائي، فهو حبنا للدولة.
الدولة هي الهوية وجواز السفر والدستور والبطاقة المدنية والشارع والبيت والجسر والوظيفة والشركة والوزارة والقانون والمحكمة.. والى آخره.
على سبيل المثال أنت مواطن في الدولة الكويتية لا في الوطن الكويتي، لأن الوطن بلا دولة لا قيمة له، ولولا الدولة لما كان وطن على الأرض.
ربما غيبنا مثل هذا الفهم الواضح والحقيقي لمفهوم الدولة عمدا أو جهلا، ونحّينا الدولة عن عواطفنا جانبا أو غيبناها واستبدلنا بها الوطن الذي لا وجود له الا في مخازن العاطفة وضمائر الشعراء وحناجر المغنين.
وثمة سبب يدفعنا لتنحية الدولة واستحضار الوطن، وهو أن الدولة كثيرا ما تختلف معها، بسبب تقصير هنا وفشل هناك وسوء إدارة أو فساد، تنتقد عدم التزام الدولة في تنفيذ المشاريع أو سوء في المستشفيات أو في التعليم أو في الأداء العام في الدولة، ومثل هذه السلبيات هي التي تجعل الانسان يحجم عن اظهار حبه للدولة ويعلن حبه للوطن.
أنت ابن الكويت الدولة، ولست ابن الكويت الوطن، وهذا ينسحب على جميع الناس في دولهم.
[email protected]