لا أعرف سببا واحدا، يدعو الى ترويج ما حملته بعض كتب التاريخ الإسلامي من قضايا وقصص غير متفق على صحتها، وفحواها العنف والقتل والذبح والحرق، وطرحها وكأنها من المستحبات ومما يجب التمسك به وإعادة صياغته وتقليده.
وتكمن خطورة ذلك حين يُطرح على العامة والبسطاء من الناس ومن لم تتشكل لهم بعد حماية فكرية تقيهم الانغماس في تلك التفاصيل والتسليم بصحتها وإحيائها وإعادتها من جديد.
ذلك مع الأسف ما هو رائج على شاشات العروض المتعددة وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يقوم بعض حسني النية أو سيّئيها بنشرها بشيء من التباهي والفخر.
وما يتعيّن علينا إدراكه أن تلك الحوادث ـ إن صدقت صحة وقوعها ـ لها أسبابها ومقتضياتها وظروفها التي أوجبت قيامها وفعلها، وأنها غير قابلة للنسخ والإعادة، في ظروف أخرى وفي أزمنة أخرى لا تتشابه بشكل من الأشكال مع تلك الظروف التي حدثت فيها.
التاريخ لا يعيد نفسه كما يزعم البعض أو كما يؤمن البعض الآخر، والماضي لا يحضر بقامته المهيبة وحوادثه وقصصه وناسه وأخباره، فكل زمن يصنع نفسه بنفسه ويحيك عباءته بأيدي ناسه ويجدد أخباره وأحداثه بما يناسبه وما تقتضيه ظروفه، مع عدم استبعاد الماضي بكليته بل مع الحرص على استلهام منائره المشعة التي تزيد الحاضر سطوعا، واستحضارها والبناء عليها.
إن إفشاء ثقافة العنف بين العوام والبسطاء وبالذات من الأغرار وصغار السن، هو الى جانب كونه تجهيلا لهم، هو في الوقت ذاته، نحر لهم وذبح وتسليمهم الى الموت بسهولة ويسر.
إذا كان التاريخ ـ حسب المقولة الشائعة ـ يكتبه المنتصر، فإن للمهزوم أيضا تاريخه الذي يكتبه وحوادثه التي يسطرها بإملاء من مرارة هزيمته، وقد يملأ تاريخه الذي يكتبه بكل المشوهات والبذيئات والدنايا.
ومثلما أن كتابة التاريخ ليست بالأمر الهيّن، فإن قراءته أيضا وفهمه وهضمه ليست بالأمر الهين. ولا بد من الحذر وأخذ كامل الحيطة عند طرح الحوادث التاريخية وعدم الأخذ بها على أنها من المسلمات الموجبة التقيد بها أو تقليدها.
وهذا ما فعلته أمم أخرى فنهضت وبنت حاضرها ولم ترتهن لماضيها.
[email protected]