صالح الشايجي
-
سيبويه العصر الحديث مشغول بـ «تخصيب اليورانيوم» وتشغيل «المفاعل النووي»
-
هناك فصيلة من البشر تتحدث بسرعة 1500 كلمة في الدقيقة
-
خبير نفطي لم تسلم من شباكه شاكيرا ولا الأميرة ديانا
-
«المكلمانيين» ينقضّون على ضحاياهم كانقضاض الصقر على طريدته
الكره داء دواؤه الحب
رواة العشق
رواة العشق مثل طباخي السم، لابد ان يذوقوه..
وراوية العشق.. عاشق مكلوم مصدوم.. تفتت قلبه ولم ينل مراده..
لم يصل إلى القلب السابح في الضفة الأخرى..
جسوره الى تلك الضفة مكسورة.. مقطوعة.
صد وصدود.. هجر وهجران.. وكيد ومكايدة.. ووله ومكابدة..
وبعدما تكسرت سيوفه كلها، على أبواب قلعة محبوبته.. تحول إلى راو لسير العاشقين والمعشوقات..
يتداوى بالرواية من جروح العشق المحرم والممنوع والأبواب الموصدة..
وفي العشق كذب كثير.. وفي روايته كذب أكثر..
يضمّن راوي سير العشق أمنياته وأخيلته وما كان يريد ممن أحب، تلك السير، فيسير الخيال جنبا الى جنب مع الحقيقة التي تتوارى أمام خيال الراوي فلا تكاد تظهر إلا لماما..
ما أحلى كذب الرواة.. وما أمر صدق وقائع العشق..
فليست «ليلى» التي عرفناها وقرأنا سيرتها هي «ليلى» الحقيقية، ولا «قيس» هو «قيس».
ولا «بثينة» ولا «جميل» ولا «كثير» ولا «عزة»، ولا أي من المروية حكايات عشقهم.
ان خيالات الرواة هي التي حاكت تلك القصص ونسجتها وجعلتها عباءات يتدثر فيها المحبون في العصور اللاحقة.
ما احلى التدثر بالكذب الجميل المحبوك بخيوط العشق..
ليت الذين يكذبون كلهم، يكونون رواة لكذب جميل ينفع المحبين ويمكث في ذاكراتهم، ولا يذهب جفاء.
وليت الحقائق الفاجعة هي التي تذهب كزبد البحر جفاء، فلا تستقر في نفوسنا.
بنيتُ للآخرين قصورا..
وسكنتُ بين أضلاعي...
الجملة العوراء
«صباح الخير»..
جملة عوراء، ترى بعين واحدة...
وعرجاء تسير برجل واحدة...
جملة ناقصة «غير تامة» لأنها تتألف من مضاف ومضاف إليه.
هي «مبتدأ» بدون «خبر».
وهنا يكمن نقصها وعورها وعرجها.
ثم كيف ننطقها مشكولة، هل برفع «صباح» وهو المضاف، وكسر «الخير» وهو «المضاف إليه» كما تقتضي قواعد النحو العربي؟
أم نعتبر «صباح» بالفتح على اعتبار أنها مفعول به لفعل محذوف هو أتمنى أو أرجو لك صباحا خيرا، أو ما شابه؟!
فيا أهل اللغة اسعفونا، أم ننتظر «سيبويه» آخر يدلنا على لغتنا ويفك ألغازها وطلاسمها؟! علما بأن «سيبويه» العصر الراهن ليس متفرغا للعلم وليس منكبا على الكتب ينقب فيها، بل هو مشغول بـ «تخصيب اليورانيوم» وتشغيل «المفاعل النووي» ومطاردة «كروبي» و«مير حسين موسوي» وبقية الاصلاحيين في بلاد كانت تنجب «سيبويه» وصارت تنتج «أحمدي نجاد».
-
لولا عيناك..
-
ما كان لعيني معنى..
مكلمة
هناك فصيلة من البشر الذين نعرفهم، نأكل معهم ويشربون معنا، ويسيرون في الدروب ذاتها التي نسير نحن وبقية خلق الله عليها، لا احد يباريهم في فضيلة «الحكي» ولديهم قدرة هائلة على الكلام المستمر المنقطع النظير، وبسرعة الف وخمسمائة كلمة في الدقيقة حسب توقيت غرينتش!
الواحد منهم نطلق عليه لقب «مكلمة» اي ان له طاقة هائلة خارقة وقدرة على الكلام دون انقطاع من «نيويورك» الى «نيسابور» على ظهور الجمال، أما عن ماهية هذا الحكي فلا تسل، فهو عبارة عن عشر عبارات عجاف، تدور وتلف وتطير وتعود الى مهبطها سالمة دون رضوض أو خدوش، ولكنها ترض وتخدش سامعها سبعمائة مرة في الدقيقة.
صادفني احد هؤلاء «الجلاوزة» غنائي الحكي في مطار القاهرة ورافقني في الرحلة من القاهرة الى الكويت وتجاورنا في مقاعدنا وبدأ كلامه معي او استعباد أذني قبل الاقلاع بساعة وربع الساعة وواصله في الطائرة ثم في مطار الكويت عند كاونتر الجوازات ثم ونحن ننتظر الحقائب مرورا بالجمارك حتى وصولنا لسياراتنا ولم يدعني اركب سيارتي بل اخذ يتحدث لمدة خمس دقائق والسيارة تنتظر وبقية السيارات تلعلع بأبواقها! ثم قال: نكمل بالموبايل، وفعلا فعلها واتصل بي حتى وصلت الى بيتي ووصل الى بيته واستمر يتحدث حتى اعتذر مني وبخجل شديد لان بطارية هاتفه على وشك النفاد، ووعدني بأن يتصل بي لتكملة «السالفة»!
وآخر اتصل بي وهو داخل السور «متجها» الى «الشعيبة» آخر المدن الجنوبية، وراح يحدثني ثم يحدثني ويحدثني حتى وصل الى مبتغاه، علما بأنه وفي طريقه وقف مرة في أحد المطاعم ليتغدى ثم توقف لتعبئة سيارته بالبنزين فعل كل ذاك وانا مصلوب من أذني أسمعه لم يستأذن لإغلاق الخط، ولكن فقط كي يطلب غداءه وأنا معه على الخط جائع، ثم وصل الى «الشعيبة» وانهى عمله وانا معه على الخط اتابع تفاصيل رحلته اولا بأول، وبعد ان انهى عمله اخذ طريق العودة الى المدينة، وانا مستمر في السماع وهو مستمر في الحديث، حتى وصل الى بيته لينهي حديثه بشكل بدوت معه وكأنني انا المستمر في الحديث وانا الذي اسبب له الازعاج، وانه هو الضحية!
قال وبمنتهى البساطة ودون وخز من ضمير: أنا وصلت البيت الآن.. عن إذنك!
-
إن كان كلامي من فضة..
-
فأذناك من ذهب
مسمعة
ومن «المكلمة» إلى «المسمعة»
واضح جدا، أنني لست من الفصيل الأول «المكلمة»، ولكنني ـ ومع الأسف ـ أنتمي إلى الفصيل الثاني وهو «المسمعة» أي الذين يقعون ضحايا وفرائس سهلة لفصيل «المكلمة» الذين يتحلّون بفراسة فائقة الأوصاف وتتجاوز الحدود المعروفة كلها، ففصيل المكلمة عندهم قدرة على اصطياد ضحاياهم وفرائسهم من على بعد ثلاث قارات وثلاثة مليارات فرسخ وربع سنة ضوئية.
وأنا ـ بحمد الله ـ أتمتع بالمواصفات الكاملة للضحية، وفريسة سهلة لهؤلاء «المكلمانيين»، فما ان يراني أحدهم حتى ينقض علي انقضاض الصقر على طريدته، ويطلق كلاب صيده نحوي فأستسلم دون أي مقاومة، لأنني لا اتمتع بخاصية المقاومة التي تهزم أعداءها وهي في أقبية تحت الأرض، وتكتفي بارسال «مكرمتها» لهزيمة العدو، وحرق بوارجه وإسقاط طائراته وإعطاب دباباته.
أما مبلغ الأزمة ومنتهاها، فهو حين أقع فريسة لواحد في عمر أصغر أبنائي ينتمي لفصيلة «المكلمة» يجلس أمامي واضعا رجلا على رجل ونافثا دخان سجائره ومسندا ظهره، ويروح يسبح ويهيم ويحلق في عالم الحكي و«المكلمة» يعظني وينصحني ويروي رواياته وبطولاته وغزواته وانتصاراته وخبراته وتجاربه وعلاقاته النسائية، وكيف هو خبير في عالم النساء، وكيفية إيقاعه بأكبر رأس انثوي، حتى أن «شاكيرا» لم تسلم منه، بعدما نبش قبري الأميرة «ديانا»، و«سعاد حسني».
هو خبير نفطي، واقتصادي وسياسي وعسكري ومنظّر اجتماعي، وواضع لخطط حربية يستطيع من خلالها احتلال أرض «يأجوج ومأجوج» وهدم سور الصين العظيم.
وآخر.. كل مؤهلاته في هذه الدنيا الشاسعة الواسعة أنه افتتح كشكا لبيع السندويتشات والشاي والقهوة وما يلزم السابلة من المارين أمام كشكه يصطادني ويجلسني أمامه، وما أن أنهي فنجان قهوتي، حتى أكون قد سمعت منه تفاصيل حياته كلها، من هي أمه ومن هو أبوه وانتماءاته الأسرية التي تعود إلى أعرق العوائل وأكبرها، وكيف كان تلميذا نجيبا وحاذقا ومبرزا ولا يرضى إلا أن يكون الأول في صفوفه الدراسية كلها، إضافة إلى الأعمال «القيادية» التي تولاها، ولا ينسى طبعا أن يتحدث عن «كشكه» واصفا إياه بأنه أكبر مطعم في الشرق الأوسط، وأن كبار القوم ورؤوس المجتمع لا يحلو لهم يومهم إلا إذا شربوا قهوته أو أكلوا من طعامه.