كثير من الشعوب العربية وأيضا غير العربية هي ضحايا للتجهيل وليست ضحايا للجهل.
لا شك أن الجهل آفة ومرض ينخر العقول ويجردها من القدرة على الرؤية الصحيحة ويحتل مساحاتها المضيئة فيدمغها بالسواد، ولكن التجهيل أخطر وأشد فتكا بالمبتلى به والمصاب بدائه.
إن التجهيل يحول الإنسان إلى كائن مسخ ذي قدرات جسدية شريرة وإجرامية إذا ما هيئ أو أعد لذلك، يصير بمعنى أصح آلة للقتل وأداة للموت.
ومع الأسف فإن الكثير من الشعوب على مستوى العالم قد تعرضت خلال القرن العشرين لعملية تجهيل أو تجريف للعقول، بدءا من ظهور الاتحاد السوفييتي ككيان سياسي وعسكري قوي قائم على فكرة الاستحواذ على الأرض والناس.
ومن أجل تحقيق هدف الاستيلاء على الأرض والناس فلا بد إذن من تجهيل الناس وتجريدهم من عقولهم، وهذا ما تم فعلا وعلى مدار ما يقرب من ثمانية عقود في الاتحاد السوفييتي والدول التي توغل فيها سياسيا وصار هو المتنفذ والمتحكم في شؤونها والمسيطر عليها سيطرة تامة.
كان قوام فكرة التجهيل ألا يعرف الشعب أو الشعوب السوفييتية وشعوب الدول الواقعة تحت الهيمنة السوفييتية ماذا يدور في العالم، وعزل تلك الشعوب عما يجري من تطورات وأحداث ومستجدات، إضافة إلى الاستبداد والظلم وممارسة العنف من قبل السلطات ضد شعوبها، حتى باتت تلك الشعوب تظن أن شكل الحياة الطبيعية هو الشكل أو النمط الذي تعيش فيه.
وروى لنا الكثيرون ممن زاروا تلك الدول أيام الشيوعية، غرائب وعجائب عما تعيشه تلك الشعوب من انعزال تام عن العالم وكأنها في زمن آخر غير الزمن الحقيقي الذي تعيشه بقية الدول.
وأذكر أنا شخصيا وفي بدء أعوام التسعينات ومع بداية انهيار الاتحاد السوفييتي وتفككه وخروج الروس إلى العالم كيف كانوا يستغربون كثيرا مما كانوا يرون لأنهم لم يروه من قبل، وأذكر منهم من سألني مرة عن البرتقالة ما هذه وما اسمها.
وهناك رواية تجسد هذا الواقع وتصوره أدق تصوير وهي رواية 1984 للروائي جورج أوريل.
لماذا كتبت هذا؟ ربما في المقال التالي إجابة عن ذلك.
[email protected]