من لم يعش عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين فلن يعرف محتوى هذه المقالة أو لن يتعاطف مع ما سوف يرد فيها وذلك لعدم معايشته تجارب ذينك العقدين وتلك السنوات التي تقارب أو تزيد على العشرين.
لن يتمكن من الإلمام بتفاصيل ما سوف أكتب إلا من عاش تلك الفترة أو من غاص في تفاصيلها بين طيات الكتب والصحف.
في تلك السنوات المقصودة كنا نعيش فترة الانتظار والتأمل والأمل بحصاد وفير أخضر يحمل الخير ويرسم غدا زاهرا جميلا.
إنها مرحلة التأسيس أو هكذا فهمنا لمستقبل أجمل كثيرا من واقعنا الراهن آنذاك.
كنا نعتقد أو هكذا أفهمونا أن علتنا تكمن في الدول المستعمرة، وأن الخير سيهطل ويغطي أرضنا العربية بمجرد خروج آخر جندي من جيش المستعمر.
وكنا نتهيأ لذلك اليوم والفرح يملأ قلوبنا والسعادة تغمرنا لأن ثمة فرجا لن يكون بعيدا.
كنا نعيش فترة الوعود وزراعة الأمل وتقوية العزائم بالشعارات البراقة التي ما كنا نشك في صدقيتها.
كنا نؤمن بزعماء تلك الفترة والنخب السياسية والمثقفين وأجهزة الإعلام وكل ما يصلنا من أخبار أو وعود منهم نصدقها ونبني عليها آمالا، وتهفو قلوبنا إلى خطابات سياسيينا وزعمائنا ونردد ما يقولون ويؤلف المؤلفون أغاني من وحي خطاباتهم ونرددها بفخر وحماس.
كنا مزهوين فرحين مبتهجين كأننا نتمشى في حدائق ورد عطرها يفوح ويبعث النشوة فينا.
كان آباؤنا يغبطوننا لأننا سنعيش عصر الازدهار ونضوج الأمل والاكتمال والحرية، بينما هم مودعون وقد لا تمتد بهم أعمارهم إلى ذاك الحين المزدهر.
هذه هي حقيقة حقبة الخمسينات والستينات التي عشنا فيها الأمل وترقب وقت الحصاد المثمر.
ولكن شاءت الظروف أن تفعل العكس حتى بتنا نتمنى لو أن فترة الانتظار طالت واستمرت وامتدت إلى الأبد.
وتحسرنا على يوم خرج فيه آخر جندي مستعمر، وتمنينا أن يعود جيش ذلك الجندي بأكمله، بعدما تقلبت الظروف وانتكست الأماني وصارت الأحلام كوابيس حققها الواقع.
اكتشفنا أن ما كنا نتأمله ليس كذبة بل هو خرافة ووعود كاذبة مستحيلة التحقق فندمنا على انقضاء فترة الأمل والانتظار والترقب.
فليتها طالت وامتدت.
[email protected]