هي أسواق كانت في يوم من الأيام وفي فترة خلت ليس من بعيد، أسواقا ملأى مزدهرة رائجة، تعلو ولا تهبط، زبائنها من أهل الحظوة والرفعة والرجاحة، وأهلها من ذوي الخلق والإبداع ومن المحلقين في سموات العطاء الجميل والبذل النبيل.
هي سوق الأدب بأنواعه وتنوعاته، شعرا ونثرا وقصة ورواية وخطابة، وكل ما تؤويه خيمة الأدب.
وهي سوق الصحافة المجلجلة المتلألئة المزدانة المتثاقلة من شدة ما تحمل من توهجات أقلام مبدعيها، كتابا وصحفيين ومحللين وإخباريين ورسامي كاريكاتير وكل ما تعج به صفحاتها من نوادر وكنوز.
وهي سوق المسرح المسرح، لا المسرح الشارعي الصبياني المتفلت المنفلت من كل قاعدة مسرحية.
وهي أيضا سوق الغناء الأصيل والموسيقى الأصيلة التي تتغلغل في الأرواح ولا تكتفي بالآذان عبورا سريعا وكفى.
كل تلك الأسواق كسدت في سنواتنا الأخيرة وفي حاضرنا الشيطاني الملتهب جمرا وحريقا.
أسميتها بـ «الأسواق الراقدة» على أمل أن تصحو ذات صبح وتعود تفتح أبوابها لزبائنها الأيتام الذين يمرون عليها وكأنهم ينعون أطلالا دارسة، كانت غناء زاهرة صادحة ذات دهور طويلة وقبل أن تدهسها عجلات وقتنا الشيطاني هذا.
لم يبق من تلك الأسواق إلا ما أبدعه أهلها ونحن نعتاش على ذلك المنتوج المغذي لذائقاتنا والمرقق لأحاسيسنا.
انفض سامر الشعراء ونفضوا غابر أزمانهم وانصرفوا، ولكن هل يعني هذا أن أرحام الشعر عقمت وبلغت من العمر عتيا وما عادت تحمل ولا تلد؟ لا..
إن أرحام الشعر لم تعقم ولم تجف ولم تتيبس وما زالت ولادة ومعطاءة، والشعراء كثر وقوالون يتسامون ويسمون إلى درجات شعرية عليا، ولكن سوق الشعر هي المغــلقة، فــلم يعد الناس يسمعون شاعرا جديــدا جيدا إلا بالمصادفة فقط لا غير.
وكـذلك في بقية الأســواق، المسرح والصحافة والموسيقى والغناء.
الجيدون والمبدعون والعطاؤون موجودون في كل زمن يزيدون ولا ينقصون ولكن مع الأسف إبداعهم يظل حبيس آذان قريبة منهم أو يتم التقاطهم مصادفة.
ربما سوق واحدة زاد رواجــها وكثر روادها وتكاثر زبائنها، هــي سوق كرة القدم التي أخذت دور«المتنبي» وباتت «مالئة الدنيا وشاغلة الناس»!
[email protected]