الوقت: منذ أكثر من 350 عاما. والحدث: «إبرام عهد» والله خير الشاهدين، أطرافه: حاكم، ومحكوم. الوسيلة: ديموقراطية على الفطرة وحسن النوايا.
سعى شعب الكويت لاختيار قائد فأحسن الاختيار، فأصبح صباح الأول حاكما بالتزكية. وكان نعم الاختيار، تعاقبت الأجيال، وتسلسل الحكام، فكان الشعب متمسكا بالعهد، حريصا على حمايته (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا)، وكان الحكام أوفياء بالأمانة، عند تولي الحاكم التاسع الشيخ سالم المبارك الصباح الحكم (فبراير 1917) أمر بكتابة جملة حكيمة لخصت نهجه، وضعها فوق مدخل قصر الحكم «قصر السيف»، وهي تذكير ونذير لكل من يدخل القصر أيا كان، وهذا دليل على الزهد والحرص على العدل والنزاهة، وخدمة الشعب.
نعم يا لها من حكمة «لو دامت لغيرك، ما اتصلت إليك»، مر عليها العديد من المسؤولين وذكرتهم، وحفظها الشعب فكانت رسالة تذكير من الحاكم إلى كل من يكلفه بأمور الرعية.
الزمن 1990 زمن الغدر.. الحدث غزو العراق للكويت واحتلاله وتقطيع أوصاله، وتشتيت وأسر شعبه، وفقد وطن، وقيادة، وضاعت الحقوق وتساوت الرؤوس.
نعم تم اغتصاب وطن، لكن إرادة الشعب الكويتي كانت عصية على الغاصب، الذي حاول بخبث العبث بالعهود والمواثيق بين الشعب الكويتي وحكامه، لكن الشعب الكويت رد كيده في نحره، فكان اجتماع ممثلي الشعب الكويتي بمدينة جدة حدثا لم يسبق له مثيل، وقد صدع أول رئيس لمجلس الأمة الكويتي عبدالعزيز الصقر، يرحمه الله، مكلفا وممثلا عن شعب الكويت بخطاب أسمع القلوب قبل الآذان، وهز المشاعر، وأدمع العيون، وكان المغفور له بإذن الله سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، يرحمه الله، متأثرا جدا بما سمع، كذلك بطل التحرير المغفور له بإذن الله سمو الأمير الوالد الراحل الشيخ سعد العبدالله، بل كل من سمع هذا الخطاب.. لم يكن خطابا عاديا فحسب، بل إحياء للعهد القديم الذي حفظه الكويتيون بقلوبهم فلم يستطع الغاصب أن يصل إليه، إنه قمة الوفاء لعهد بين حاكم ومحكوم ووطن مفقود، وقمة الأمانة من جيل أبناء الأبناء لعهد وميثاق أبرمه أجدادهم وحافظوا عليه.
هاكم اقرأوا بعض مقتطفات خطاب الشعب:
«في لقاء كهذا رسمي الدعوة، شعبي الاستجابة، ليس الهدف أبدا مبايعة آل الصباح، لأن مبايعة الكويتيين لهم لم تكن يوما موضع جدل لتؤكد، ولا مجال نقض لتجدد، ولا ارتبطت بموعد لتمدد، بل هي بدأت محبة واتساقا، واستمرت تعاونا واتفاقا، ثم تكرست دستورا وميثاقا، وقد أثبت الشعب الكويتي في أصعب الظروف، وأشدها خطرا وفاءه بوعده، والتزامه بكامل دستوره وعقده حين تمسك بشرعيته، ووقف وقفة الرجل الواحد وراء أمير البلاد وولي عهده، فسجل بذلك رائعة نادرة في التاريخ كسب بها احترام العالم، وأجهض من خلالها أحلام الغزاة، بل إني لأؤكد أن الإجماع الشعبي الكويتي في التمسك بالشرعية كان عاملا حاسما في تحقيق الإجماع العالمي غير المسبوق بتأييد الكويت».
ما رأيك عزيزي القارئ بهذه الكلمات التي أعتبرها تحية وردا جميلا من الشعب على «لو دامت لغيرك ما اتصلت إليك». اللهم أدم علينا نعمة الوفاء والإخلاص وصفاء النوايا.
لمن يهمه الأمر: ماذا لو تمت كتابة هذا الخطاب «خطاب الشعب للقيادة بلسان أول رئيس لمجلس الأمة» مؤرخا زمن العسرة والاحتلال، أو يكتب جزء منه على لوحة رخامية وتوضع بمدخل مجلس الأمة لتذكر كل من يدخل المجلس بعهد أجدادنا وميثاقهم والعقد الفريد بين الشعب والحاكم أسوة بما سطره الشيخ سالم المبارك الصباح، يرحمه الله، على بوابة قصر الحكم. كرد للتحية بمثلها.
[email protected]