[email protected]
استمعت إلى واتساب جميل من أخ لم يعرف نفسه إلا بأنه بلغ من العمر 73 عاما، أطال الله عمره وحسن عمله، كان كلامه عفويا، منطقيا، شعبي الألفاظ، فكاهي المعاني، حسن الاختيار في موضوعه، صوته ليس غريبا على اذن المستمع، ربما صوته يشبه صوت شاعر غنائي، بنكهته، وشهقته، ونشلته (زكامه).. المهم.. ما هو موضوعه؟ وماذا قال؟ كان تركيزه على أحوال الدنيا من مآس (جرائم وكوارث وحروب وخيانات.. الخ) كل ذلك تحقنها وسائل الإعلام (ممثلة بنشرات الأخبار) بآذان المستمعين الذين يتربصون بمواعيدها كما يتربص السبع بفريسته، مع سبق الإصرار والترصد، ليأخذوا جرعتهم اليومية من الهم، والغم، والأسى، لينعكس ذلك على سلوكنا الحياتي اليومي، هم، وغم، واكتئاب، بالمقابل نهمل الجانب المضيء من الحياة.. فرح، وسعادة، ورضى، وقناعة، والتلذذ بنعم الله التي بين أيدينا، والتي فضلنا الله بها على كثير من خلقه، لا يشترط في ان تكون النعم مرئية، أو مسموعة، بل هناك نعم محسوسة، مثل الأمن والأمان، والاستقرار، لا زلازل ولا فيضانات وبراكين، نعم لا نشعر بها إلا عندما نفقدها، المهم أخونا هذا (أبو 73 عاما) يطالبنا بوأد أجهزة الراديو، أو رفسه برجلك، ولا تستمعوا له، «ما تجي منه إلا المغثه» لأنه حسب قوله حين أفتح الراديو أستمع لبلاوي الدنيا، مجاعة، وتشريد، وجهل، ما عساي أن أفعل؟ وما هي ردة فعلي؟ غير إني أتألم وازرع حسرة في جوفي، تزيد من أمراضي وسقمي.
كلامك يا أخي (بو 73 عاما) صحيح %99.99 وما تبقى من هذه النسبة اتركه لي لأكمله لو تكرمت، نحن المواطنين ولله الحمد بدمنا جينات (مورثات) الفزعة، والكرم، والبحث عن الأجر والثواب من الله حين ندفع حق الله بما نملك، ونصنع المعروف لنقي مصارع السوء، ولنطفئ غضب الرب، ونصل الرحم، ولكن كلما طرقنا بابا لنساهم بالمال، كزكاة، أو صدقة، أو تبرعات لجمعية خيرية، أو بيت ما، أو أي جهة بأي مسمى، نسمع وتنقل لنا الأخبار (من نفس راديوك) اختلاسات، وسرقات، وخيانة أمانة، من هذه الجهة أو تلك، مما يجعلنا، نتردد بردة الفعل الخيرية حين نسمع الأخبار، فمنذ أيام انتشر واتساب، يحث الناس على التبرع لجمعية خيرية (أول مرة اسمع بها) لصاحبها فلان الفلاني، فانهالت عليهم الأموال من أهل الخير، فسافر وعمل مشروعا خيريا بأموال المتبرعين، وأسماه باسمه. بعدها انتشر واتساب آخر في كل الخليج يقول: مليونير كويتي يتبرع بمشروع خيري، مع صور له وهو يرفع كما يرفع مدرب كرة القدم الفائز، بعد ذلك سمعت انه يجهز لانتخابات مجلس الأمة القادمة.
أخي (بو 73 عاما) في الكويت سهل الحصول على المال إذا صدقت النوايا، فكلنا مستعدون أن نساهم في أي مشروع خيري، ولو بدينار من كل مواطن (وجمع المليون سهل لشعب طيب تعداده فوق المليون وقلبه رؤوف).
لكن أين «الصادق الأمين»؟ الذي يتسلم ويدير أموال الخير؟
هم كثيرون ولله الحمد ولكنهم يراد بهم كمرآة أو رمز، أو رئيس فخري، أما الواقع فالأموال تتناقل بين يدي موظفين صغار ضعاف النفوس من كل الأجناس والجنسيات، والله أعلم أين تذهب؟
نريد رجالا ثقات يخافون الله فقط، ونريد برامج واضحة وشفافة لتصريف الأموال لمستحقيها، عندها سنحرص على سماع الأخبار، وسينتظر المتضررون، والمنكوبون ردة فعلنا كمواطنين، أما الوطن بحكومته فما يقصر ولم ولن يقصر.