لا تستطيع الحكومات حل مشاكل العالم بمفردها، ومن هنا يأتي دور العمل الخيري العالمي ليساعد على معالجة بعض القضايا الملحة التي يواجهها عالمنا اليوم، بدءا من أزمات الصحة العامة، مثل كورونا، والفقر إلى الأمية وتغير المناخ.
وكل عام، يتجاوز العطاء العابر للحدود 800 مليار دولار أميركي في الدول التي لديها مصادر موثقة وتم رصدها، ويعتمد التأثير الذي يمكن أن يحدثه العمل الخيري، في بلد ما، على حالة المجتمع المدني فيه، بما في ذلك المتغيرات السياسية والاجتماعية والثقافية والقانونية التي تشكل بيئته الخيرية.
وفي هذا الإطار، تقوم مؤشرات العمل الخيري العالمية، مثل متتبع العطاء العالمي GPT ومؤشر حرية العمل الخيري العالمي GPEI الصادرين عن جامعة إنديانا بتزويد المانحين والمسؤولين الحكوميين وقادة المنظمات غير الحكومية والمحسنين بفهم شامل لمشهد العطاء العالمي، يمكنه زيادة المشاركة الخيرية وتأثيرها، وتحفيز العطاء، وإحداث تغيير إيجابي ودائم في العالم.
ويسعى مؤشر بيئة العمل الخيري العالمي، الذي يصدر منذ عام 2015، إلى معرفة العوائق والحوافز التنظيمية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية أمام العمل الخيري في جميع أنحاء العالم، والتي يمكن أن تكون سياسات، أو ممارسات مقبولة، أو هياكل قانونية، أو ممارسات للتنظيم الذاتي والرصد، أو من أنواع أخرى تعكس الثقافة الخيرية لكل بلد واستعداده السياسي لدعم تنمية العمل الخيري، وفي تقريره الأخير لعام 2020 تناول المؤشر 91 دولة وكانت الكويت من بينها للمرة الثانية وتشرفت بالمشاركة فيه.
وفي المقابل، يقيس متتبع العطاء العالمي، الذي يصدر منذ عام 2006، التبرعات عبر الحدود من الأفراد والمنظمات حول العالم، ويقدم بيانات عن أربع تدفقات: التدفقات الخيرية، والمساعدة الإنمائية الرسمية، والتحويلات المالية، واستثمارات رأس المال الخاص، وفي تقريره الأخير لعام 2023 تناول المتتبع 47 دولة.
يمكن لهذه المؤشرات أن تكون مفيدة للاقتصاد بصور عديدة، حيث إنها تساعد في قياس التأثير الاجتماعي للعطاء الخيري، وتقييم استخدام الأموال لمعالجة القضايا الاجتماعية مثل تحسين التعليم، وتعزيز الرعاية الصحية، وتخفيف الفقر. كما يمكنها صنع بيئة تنافسية بين الأفراد والمنظمات والشركات للمساهمة الإيجابية في المجتمع، حين تشجع على ممارسة المسؤولية الاجتماعية من خلال الاعتراف بالجهود الخيرية لهؤلاء. كذلك، تعزز المؤشرات الشفافية والمساءلة في المنظمات والمؤسسات حول ممارساتها في العمل الخيري، وتحثها على الالتزام بالمعايير الأخلاقية عندما تعلم أن هذه الممارسات ستقيم علنيا. ويمكن للمؤشرات أن تعزز الالتزام برفاهية المجتمع وجعله أكثر جاذبية للاستثمار الأجنبي، فالمناطق التي تصنف على أنها ذات ثقافة خيرية قوية قد ينظر إليها بشكل إيجابي أكثر من غيرها من قبل المستثمرين. من جهة أخرى، تحفز المؤشرات الابتكار، إذ إن المنظمات قد تكون أكثر استعدادا للاستثمار في البحث وتطوير المشاريع التي تعالج القضايا الملحة عندما تعلم أن جهودها سيعترف بها، كما تحفز الشراكات بين القطاعات، العام والخاص وغير الربحي، فالحكومات قد تكون أكثر استعدادا للتعاون مع المنظمات الخيرية والشركات التي تتمتع بسجل حافل، تعرضه المؤشرات، من المساهمة في رفاهية المجتمع.
وتبقى كلمة السر، في كل ذلك، في توفير بيانات دولية مقارنة دقيقة يمكن أن ترفع مستوى الوعي والفهم، تفيد واضعي السياسات وقادة المجتمع المدني والمنظمات الخيرية، وتوضح كيف للمجتمعات المدنية والحكومات والشركات والأفراد التعاون لمعالجة القضايا المجتمعية في جميع أنحاء العالم.