من أكثر الأماكن التي تجذبني في جامعة برنستون هو معهد العلوم العصبية Princeton Neuroscience Institute (PNI)، الذي تأسس عام 2004. ويضم مختبرات ومرافق متطورة للبحث المتقدم في علوم الأعصاب، في تشابك مع مجالات متنوعة مثل علم الأحياء، وعلم النفس، والفيزياء، وعلم الحاسوب. من بين مجالات البحث المهمة التي يقوم بها المعهد هو الذكاء الاصطناعي العصبي NeuroAI، الذي يجمع بين علوم الأعصاب والحاسوب.
يقدم المعهد منحا للعديد من الاساتذة والطلبة لإجراء بحوث على البشر، تتناول موضوعات مثل البصر، الإدراك، والتفكير، وغيرها، وبحكم فضولي لاكتشاف تفاصيل عمل جامعة برنستون، أتابع بعض المواضيع البحثية في المعهد وأسجل للمشاركة بها.
في إحدى التجارب، استقبلتني الباحثة روز غينغريتش Rose Guingrich التي لم أكن أعرفها من قبل، وتبين لاحقا أنها متخصصة في بحوث الذكاء الاصطناعي! وبعد أن دخلت إلى إحدى الغرف العديدة بالمعهد وكأنها معامل بشرية تختلف كل غرفة عن الأخرى بموادها وأدواتها!
طلبت مني روز المشاركة في تجربة إجراء محادثة على الحاسوب ضمن برنامج محادثة وتحدثت وقتها مع فتاة نيوزيلندية حيث تطرقت معها لعدة مواضيع عامة وبعضها مرتبطة بدولتها، منها الاعتداء الإرهابي على المصلين المسلمين في صلاة الفجر وإنجازات رئيسة وزراء نيوزيلندا الشابة، التي استضافتها لاحقا كلية برنستون للشؤون الدولية والعامة.
عقب المحادثة، أجبت على بعض أسئلة الباحثة روز، لتفاجئني بعد ذلك بالقول إنني كنت أتحاور مع آلة وليس بشرا وفتاة كما كنت أتوقع! فقد كانت إجاباتها المصاغة بعناية وتشعب المواضيع التي ناقشناها، بعيدة كل البعد عن الأجوبة التقليدية من برنامج. أذهلني مستوى التطور في حقل الذكاء الاصطناعي الذي جعل هذه الآلة تحاكي السمات البشرية إلى هذا الحد وبالطبع، لم يكن Chat GPT معروفا في ذلك الوقت ولذا زاد استغرابي وذهولي وقتها!
هذه النقلة النوعية هي نتاج أبحاث طويلة استمرت لعقود وأنفقت عليها أموال طائلة، وقد ساهمت فيها جهات عديدة، من بينها جامعة برنستون التي تملك خبرة تصل إلى 40 عاما في البحوث الأساسية للذكاء الاصطناعي وتطوير تطبيقاته العملية في مواضيع مثل التعلم الآلي والروبوتات وغيرها.
وكجامعة بحثية أيضا، ساهمت برنستون مؤخرا في هذا المجال بإطلاق مبادرة اللغة والذكاء الاصطناعي
Princeton Language and Intelligence Initiative (PLI)
بهدف جمع المواهب وتخصيص الموارد لتطوير فهم أساسي لنماذج الذكاء الاصطناعي، وتمكين تطبيقها في البحث والتعليم عبر التخصصات الأكاديمية. ويتضمن ذلك دراسة الآثار المجتمعية والأخلاقية للذكاء الاصطناعي، وكذلك تطوير أساليب لتجنب أي أضرار محتملة.
قيادة جامعة برنستون في أبحاث الذكاء الاصطناعي، وتطبيقها في حرمها الجامعي، توجت أخيرا بتوقيع اتفاق بين الجامعة وحكومة ولاية نيوجيرسي لإنشاء مركز متكامل لبحوث الذكاء الاصطناعي. يهدف هذا المركز إلى جمع الباحثين وقادة الصناعة والشركات الناشئة وجامعات الولايات الأخرى وكلياتها، بهدف تعزيز البحث والتطوير في هذا المجال لتحقيق تأثير إيجابي في المجتمع، والاستفادة من كنوز تقنيات الذكاء الاصطناعي الحديثة ومواجهة التخوفات منه!
[email protected]