كثيرة هي التوجيهات التي تحثنا على تحمل مسؤولياتنا تجاه أبنائنا سواء كانت توجيهات شرعية أو اجتماعية أو حتى صادرة عن القوانين والتشريعات، ويكفينا في ذلك الإطار قول نبينا الكريم: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته..» والمسؤولية هنا ليست ثابتا من الثوابت على مستوى الطبيعة والآليات، فمن الطبيعي أن تتطور هذه المسؤولية مع التطورات التي يشهدها المجتمع والتي كما تمثل نقلة للأمام تمثل أيضا تحديات عظيمة، على الآباء والأمهات أن يواكبوا طبيعتها ويعلموا أو يتعلموا كيفية التعامل معها.
اليوم نجد أطفالا يحملون في رؤوسهم هموما عجيبة لم يكن يحملها في الأجيال السابقة إلا من تجاوز الثلاثين على الأقل، ولذلك أسباب عديدة منها الانفتاح الشديد على العالم بأسره الذي أصبح متاحا للمراهق والطفل من خلال ضغطة زر واحدة، الأمر الذي يجعل الأبناء يعقدون المقارنات بين مجتمعهم والمجتمعات الأخرى وهنا يتحكم الهوى والرؤية القاصرة في التصورات التي تنشأ عن هذه المقارنات.
ويكون السؤال: أين نحن كمربين من هذا؟ للأسف نحن مستمرون في نهجنا القديم المتمثل في توجيه الأوامر أو توجيه بعض النصائح الشفوية التي قلما ترتبط بتقديم النموذج العملي وهو ما يصنع حالة من الغربة والتباعد بيننا وبين الأبناء. وهذه الحالة توضح حقيقة لا لبس فيها مفادها: هناك شيء ما في عقول أبنائنا نحن لا نفهمه وهم غير قادرين على إيصاله.. إذن لنقترب منهم أكثر ومن عالمهم ولنفهم حيثيات هذا العالم وطبيعته وقوانينه، لم تعد التربية الآن بالتمني وتوجيه النصائح، المسألة أصبحت أمرا يستحق الجهد والتعب مثل أي أمر عظيم في حياتنا يجب أن يحتل من يومنا مساحة شاسعة حتى نعبر بالأبناء إلى بر الأمان، وإن لم نفعل ذلك فسنفاجأ بالنتائج مثلما نرى اليوم أمام أعيننا، فالمراهق ابن الـ14 عاما لم يتردد في ذبح صديقه علنا أمام أقرانه، ومراهق آخر يقتل شابا في الطريق، بل إننا أصبحنا نسمع من الأبناء وهم ما زالوا أطفالا عبارات غريبة تمثل يأسا وتشاؤما من المستقبل، وهي فلسفة ليس من الطبيعي أن تسكن عقولهم على الإطلاق، مراهق لم يتجاوز الـ 16 من عمره يتحدث عن عدم أهمية التعليم، وما هو المستقبل المنتظر بعد ذلك ورغبتهم وهم في سن صغيرة بالانفصال عن أسرهم! وأمور أخرى غريبة لم تكن لتمر على عقول من هم في هذه السن.
هذه الظواهر هي مجرد ناقوس خطر مبدئي يدق معلنا أن ثمة أمرا ما علينا الالتفات إليه. فعلى جميع الجهات المؤثرة في الأبناء أن تكون على قدر حدث التطور الذي يشهده المجتمع، المناهج الدراسية يجب أن يزيد مستوى عمقها لتناسب عقليات الأبناء التي تجاوزت أعمارهم بمراحل، الأسرة يجب أن يتجدد دورها ويتطور وأن تكون التربية اهتماما وأساسا لديها وليس مجرد معاملة حسب الموقف!
عزيزي المربي.. إن لم تكن تعلم معنى أن يجلس ابنك ما يقارب العشر ساعات معزولا إلا من الجهاز الذي يحوي عالما افتراضيا صنعه هو بعيد عن عالمه الحقيقي، فلن تستطيع أن تتعامل معه ومع أفكاره وستقف مكتوف الأيدي أمام أول حالة تمرد تصدر عنه، ولن تملك سوى الغضب الذي قد يقودك إلى ما لا تحمد عقباه.
وأخيرا.. أضع الأمر بين يدي المتخصصين والخبراء في علم التربية وعلم النفس التربوي وعلماء الاجتماع ليطلقوا دراساتهم حول هذه الظواهر ليؤدوا دورهم بالفعل تجاه المجتمع وليكون علمهم منقذا للجميع قبل فوات الأوان.
لنستنشق أكسجين المسؤولية ولنكن على قدرها، فإذا سألنا الله عز وجل عن رعيتنا يوم نلقاه يكون الجواب أيضا منقذا لنا. وللحديث بقية...