يقول الحق تبارك وتعالى: (اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون ـ الأنبياء: 1 و2)، على الرغم من تسارع أحداث علامات الساعة من كوارث طبيعية وظواهر اجتماعية ونفسية وسلوكية للبشر، تبعا لما بلغنا إياه سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم، وتحت مظلة تلك الظروف المحيطة إلا أن الكثير من أمة محمد لاهية قلوبهم باللغو واللهو والإكثار بالشيء والمنافسة في الموائد الرمضانية و«الغبقات» و«الاستقبالات» والتي تعدت حدود البساطة والهدف المنشود من وراء التواصل الاجتماعي في هذا الشهر المبارك، فالدين يحث على البساطة لأمرين:
٭ الأول: التكليف والمغالاة في الشيء يلهي عن الهدف.
٭ الثاني: البساطة شعار حضاري بحت لكونها تعطي قوة تحقيق الأهداف المنشودة من وراء ما يوجب فعله.
وها نحن اليوم في شهر الهمة والجدية، فقد اسهب الناس في أوقاتهم وأموالهم بعيدا كل البعد عن العبادة الحقة، وصرف الأموال في سبيل الله عز وجل، إن شهر رمضان شهر الرحمة والغفران من أجل إصلاح ما أسرفه بنو آدم على انفسهم من اللهو واللغو خلال عام كامل، فالأصل في رمضان هو ترويض النفس على الإكثار من الصلاة ومداومة الذكر وقراءة القرآن بل دراسته وفهم علمه، بما يكفل تزكية النفس ورقيها، وهذا واجب إنساني بحت، لكون أن الإنسان خلق من أجل العبادة وليس الاستسهال بحق الخالق، فهو يحمل أمانة ويجب عليه المحافظة عليها بمقاومة الفتن التي تحيط به من كل جانب.
وأنا على الدائري الخامس مساء لاحظت البيوت المحيطة أغلبها مزينة بالهلال والنجمة والفوانيس، إلى جانب ما يوثق ببرامج التواصل الاجتماعي من الفنون التشكيلية للموائد واللباس المزركش والمتعري عند البعض، والموسيقى والرقص والأنشطة التي تقام داخل بعض البيوت كضيافة للزائر من اجل التشهير في الشيء، إلى جانب ما حدث في الأسبوع الماضي في مناسبة «القرقيعان» والذي أصبحت فيه احتفالات رسمية تقام داخل البيوت كنشاط اجتماعي، بل أصبح الاحتفال به على مستوى المناطق داخل الكويت، وهذا نذير خطر وليس مظهر من مظاهر الحضارة التي يرسمها الغالبية اليوم ويعكسها للعالم الخارجي بأن المناسبة الرمضانية ما هي إلا متعة واحتفالية.
إنني لست ضد العادات الاجتماعية «كالقرقيعان والغبقات»، وإنما ضد ما يحصل من تهويل للأمور، فقد كنا في السابق نسعد بها كعادة اجتماعية تفرح الصغار فقط، أما «الغبقات» فهي اجتماع أفراد الأسرة على مائدة الكل يشارك بها ببساطة شديدة من باب التواصل فقط، وتلك هي العادات الصحيحة التي لا تمتثل للتكلف واللهو الباطل في المغالاة بعيدا عن احترام قدسية هذا الشهر الفضيل.
فكلما زاد اللهو والانشغال في التكليف بالمناسبات والمغالاة في الصناعة الاجتماعية، غفل الناس عن الأهداف وزاد الفساد، وانعكس ذلك على إنتاجية الأسرة، حيث إن الأسرة هي مصنع الإنسانية، فإن انتجت أفرادا أقوياء في فكرهم واتجاهاتهم، انعكس ذلك على إحياء مجتمع راقٍ. واختتم مقالي بآية نذير ضد المغالاة والتكليف، يقول الحق تبارك وتعالى: (ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ـ التكاثر).
LinesTitle@