عندما خلق الله، عز وجل، آدم، عليه السلام، وجعله خليفة في الأرض، تعجبت الملائكة من حكمة الله في خلق بشر لقوله تعالى (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك، قال إني أعلم مالا تعلمون)، ولما نشب الصراع النفسي ما بين الفطرة والغريزة، والذي يشتعل بعدم التوازن فيما بينهما، ليكفل ذلك الاستقرار النفسي السلمي الذي ينعكس على سلامة النفس من الشوائب واستقامتها، أرسل الله عز وجل أنبياء ورسلا للناس من أجل تبليغ العقيدة الحقة في تنظم وتوجه النفوس لتجعلها متحررة من الاستعباد، وهنا يكمن الهدف في اتباع العقيدة الربانية في جميع النواحي الاجتماعية والنفسية والسلوكية والاقتصادية والسياسية...إلخ، فهي التنظيم الكامل لتحرر النفس من الاستعباد الدنيوي، ولو تأملنا قليلا نجد أن جميع الديانات السماوية الحقة تدعو لنفس الهدف من وراء تطبيق شريعة الخالق والتي هي ليست من صنع بشر، فهي في الواقع جميعها تدعو للاستسلام الكامل والمطلق لله الواحد القهار لا شريك له والانقياد والطاعة كخطوه أولى للدعوة لقوله تعالى (إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب)، ومن ثم تأتي الخطوة المقبلة والتي تكون نواة العقيدة ألا وهي الإيمان المطلق الذي يكون بتمام الأخلاقيات الصرفة في السلوكيات والمعاملات من أجل إتمام العدالة بأنواعها، ولقوله تعالى (ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم)، فالإيمان له سر عظيم وهدف جليل في جعل النفس حرة غير منقادة إلا لخالقها، فطريق العقيدة مستقيم كلما انحرفت النفس عنه رجعت له لإتمام طريقها، ولا عيب في ذلك.
والإنسان مكون من روح وجسد، فالجسد شيء مادي يموت ويتحلل بفعل دواب الأرض، أما الروح فهي لا تموت أبدا ولكنها تنتقل من عالم لعالم كمحطات تسكن إليها بأمر خالقها، وانتقالها يتطلب منها التقوى الكامنة في الصلاح في القول والعمل حتى تخطو خطاها بسلام لحياة السلام الأبدية، كما يقول الله عز وجل (والعاقبة للتقوى) فالتقوى رقي وعزة تؤمن للفرد الرفعة والعلو بالمكانة في مراحلها الحياتية.
في ملخص الحديث ان العقيدة الكامنة في الإيمان المطلق إنما هي تحرر النفس من شهوتي البطن والفرج، وشهوة المال والسلطة، التي لطالما نشبت الصراعات والحروب طمعا وجشعا كسعي الوحوش المفترسة وراء الفريسة بتفاوت قناعاتهم وظروفهم المختلفة، والتي أضاعت الوقت الكبير من حياة الخلق في الامتثال للهدف المنشود من الوجود، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم «الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني»، والصلاة والسلام على رسول الله.
family_sciences@