يقول الحق تبارك وتعالى (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) - سورة البقرة: 74.
كثير من الآيات الكريمة عندما تصف حالة الإنسان فإنها تشبهها بحال الطبيعة على الأرض، وما يحدث فيها من جانب سلبي أو إيجابي، فعلى سبيل المثال شبه الله عز وجل الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة بالشجرة الطيبة وبالشجرة الخبيثة في سورة إبراهيم آية (24-27)، كما جاء التشبيه القرآني للحياة الدنيا كماء أنزله الرحمن من السماء على الأرض فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما أي أصبح نبات الأرض يابسا متفتتا، تذروه الرياح أي تطيره الرياح وتفرقه وذلك في سورة الكهف آية (45)، وكذلك الكثير من التشبيهات القرآنية الرائعة، فالإنسان قبضة من قبضات الأرض ولكونه خلق من قبضات الأرض فهناك تشابه بين ما يحدث للإنسان فسيولوجيا وبيولوجيا وبين الظواهر الطبيعية للأرض، كما نجد تشابها بين عطاء الأرض للبشرية مثلها مثل عطاء الإنسان سواء في بالخير أو بالشر لمن حوله، فسبحان المعطي الكريم المبهر في قدرته وخلقه المنظم، وما سبق يدعم مقالنا السابق عن المتشابهات في الكون.
أما مقال اليوم فبه حقيقة تحتاج لتدبر وتأمل، فالإنسان خلق من طين، والطين قابل للتشكل وقابل للتغيير، ولعلنا كبشر نقسو ولكن بدرجات متفاوتة تبعا للتنشئة والبيئة والثقافة المجتمعية ومستوى التعليم والكثير من المتغيرات التي تقوم على تشكيل تلك الطينة إما للإيجاب أو السلب، فالآية السابقة يخاطب الله عز وجل بها بني إسرائيل لشدة كفرهم وقساوة قلوبهم من أن يؤمنوا بالله عز وجل رغم الآيات التي نزلت عليهم، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم «لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي» فالقلب القاسي خلق من الصلصال وطبيعة الصلصال إن لم يحافظ عليه من العوامل الخارجية فإنه يتيبس وكلما ترك أصبح قاسيا كالحجارة، وعلى العكس عندما يحافظ عليه من الهواء والعوامل الخارجية ويتم حفظه في مكان دافئ ورطب نجده لينا، وهكذا حال قلوب البشر، فالقسوة ممكن أن تصل لمراحل التصدع فتكون في حال شدتها، وعندما يخشع القلب يتبدل من حال إلى حال يسر، وهكذا حال البشر تجاه بعضهم البعض، إن الحل لقسوة القلب تبدأ بذكر الله وتكرار الإحسان بالقول والفعل الذي يكسر أحجارا وحواجز كادت تفتك بقوام أمة بأكملها، ويكمن التدبر القرآني الذي من شأنه حل لمشاكلنا النفسية والاجتماعية تجاه بعضنا البعض، كما للآية الشريفة تفسير جيولوجي علمي، وهذا دليل على أن الدين والعلم وجهان لعملة واحدة، وأن الرقي في ديننا هو العلم بالشيء فلكل شيء سبب ونسبة وتناسب. وإلى تكملة في الأسبوع القادم بإذن الله.
family_sciences@