كل مادة خلقها الله عز وجل في الكون لها استقلالية خاصة، قد منحها الله إياها حتى تستمر في كينونتها والمهمة التي خلقت من أجلها، والهدف من الاستقلالية هو إثبات وجود، وتعرف بأنها تمتع كل وحدة خلقها الله عز وجل في بتنظيم شؤونها الداخلية من دون التأثر بعامل خارجي، وذلك بحرية مطلقة من خلال عوامل خارجية تساندها وتدعمها، فسبحان الذي خلق كل شيء بقدر.
فعلى سبيل المثال المجموعة الشمسية من كواكب ونجوم تعمل باستقلالية كاملة هائمة في ملكوت الله، أي أنها تعمل بتوازن غريب جدا، وذلك بفعل الجاذبية مقابل القوى الطاردة المركزية، فلولا الأخيرة لكان الارتطام بين الكواكب والفوضى في سيرها، ولم تأمن استقلاليتها الخاصة عن بعضها البعض، كذلك الحال في الذرات، فبين كل ذرة وأخرى ميول مقابل قوة تنافر بين بعضها البعض لتؤمن لها الاستقلالية والعمل بذاتية وعدم الارتطام أيضا ببعضها البعض، وهذا سر التنوع الذي سبق أن تحدثت عنه كمبدأ كوني في خلق الله للكون (راجع مقالات سابقة)، كذلك الحال على المستوى الإنساني، فقد وضع الله شريعته في تنظيم العلاقات الإنسانية المتمثلة في القيم والأخلاقيات والسلوكيات ونظم تحفظ الحقوق والعدل الاجتماعي كلها من أجل أمن استقلالية الإنسان التي تكمن في احترام ذاته ووجوده، فالحقوق مقابلها الاحترام والثقة والتقدير من الطرف الآخر تكفل عدم التناحر بين البشر.
وكمثال آخر يقول صلى الله عليه وسلم «لا يكن أحدكم إمعة، يقول: إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساؤوا أسأت، ولكن وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا أن تحسنوا» (رواه البخاري)، وتكمن الاستقلالية هنا في التحرر من المشاعر غير المحمودة منها العدوانية والعنف... وكذلك الحال بالنسبة للتحرر والاستقلالية من عبودية الشهوات والميول، وما سبق مثال في التحرر النفسي الباطن، أما على المستوى السلوكي الظاهر فنجد أن الاستقلالية من الفطرة التي فطرنا الله عليها، كمثال الطفل الصغير في اللحظة التي تقوى بها عضلة يده فإنه يندفع للاستقلال في تناوله الطعام بنفسه، وفي حال الضغط الخارجي بالمنع من قبل الأم نجد العناد والعصبية تحل للحصول على استقلاليته، وأيضا بالنسبة للدول المستعمرة، فمهما وصل المستعمر من إعمار الأرض التي احتلها من الناحية المادية والبشرية، فسرعان ما تتشكل المقاومة إلى أن يحصل ذلك المجتمع على استقلاليته، فالاستقلالية غريزة وحاجة نفسية إن لم تصن وتحترم من الطرف الآخر فسرعان ما تنشب الفوضى والفساد والتصادم بين الأطراف، يقول الله عز وجل:«ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا» (الإسراء: 70)، فلقد كرم الله عز وجل الإنسان بحفظ كرامته المتمثلة في استقلاليته المادية والمعنوية والنفسية والأخلاقية باتباع ما جاء به كتاب الله وسُنة نبيه. وآخرا فالاستقلالية بصمة تميز جميع مخلوقات الله عن بعضها البعض وتمنح لهم الدرجات.
family_science@