شغل الشارع الكويتي في الأيام القليلة الماضية ظاهرة التعري على شواطئ الكويت، وهي من ظواهر الانحدار القيمي، وذلك يرجع لعامل مهم للإنسانية الصرفة التي تحكمها الاستقلالية (راجع المقال السابق) ألا وهي الفطرة وما أدراك ما الفطرة؟، والثبات على الفطرة يحتاج إلى غرس قيم بشكل كبير وجليل، وهذا لا يحدث إلا باتباع ما جاء به ديننا الحنيف، فالإسلام كفل الحريات للبشر بحدود ضوابط تكفل له كرامته، ولا كرامة لمن تعرى بجسده أمام الملأ، وحتى لو كان في أماكن مغلقة وخاصة، فالحياء خلق ديني لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لكل دين خلق وخلق الإسلام الحياء»، فالناس تتفاوت بأخلاقياتها، فكل على حسب معتقداته وخلفياته الثقافية، وهذا يرجع لغرس القيم نفسها، فالقيم لا تغرس في يوم وليلة بل لا بد من غرسها في الصغر حتى يتم تعظيمها في النفس عند الكبر.
إن الظواهر الاجتماعية بأنواعها دائما يرجع سببها إلى ثلاثي الأبعاد: الأسرة والمدرسة والصحبة، فالآباء والأمهات من يبلورون ويصنعون سلوكيات ومفاهيم أبنائهم إما للسلب أو الإيجاب، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» (أخرجه البخاري)، أما دور المدرسة فإنه مكمل لدور الأسرة في الصناعة الإنسانية، فأما الصحبة سواء كانت صالحة أو طالحة فتأثيرها قوي عندما يكون الجانب الأسري ضعيفا ومهملا فكريا وعقائديا.
اليوم نجد الغالبية العظمى من الأسر بمختلف خلفياتهم الثقافية والعقائدية تشجع أبناءها على تجربة كل جديد في الأسواق وهذا الأسلوب الصغير هو وراء كل ظاهرة منافية للقيم، فعندما يسمح للفتاة بارتداء البنطال المفتق ووضع (التان) الذي يلزمها التعري تحت الشمس لاكتساب اللون المطلوب (والأمر يشمل أيضا الشباب)، كما أيضا تشجيع الفتيات على ارتداء الملابس التي بها نوع من تعري الأكتاف دون أدنى وعي وحوار من ولي الأمر بعواقب تلك الأمور فكريا وثقافيا ونفسيا واجتماعيا وأثرها على المدى البعيد، لا شك أن النتيجة لا تسر المجتمع كون الأسرة هي نواتها.
كما أن التعري وتقليد الغرب بما لا يلائمنا كمجتمع محافظ إنما هو انتهاك وفتك بالعقل السليم ذي الفطرة السليمة، فيجب ان تكون هناك حرب من الأسرة المسلمة ضد الإعلام الفاسد والموضة التي لا تناسب مبادئها، وأضع تحت كلمة (لا تناسب) في الجملة السابقة عشرة خطوط، لأنها السبب وراء المجتمع الهزيل في قيمه، ذي الظواهر الاجتماعية والسلوكية المتواترة، والمليء بالصراعات القائمة بين الصح والخطأ والفوضى الفكرية لدى البعض ما لم توضع الحدود القانونية لحد تلك الفوضى السلوكية والفكرية والخارجة عن العقيدة، يقول الحق تبارك وتعالى: (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون -الروم: 30).
family_science@