قبل البكاء على المذابح الرقابية الموسمية التي يتعرض لها معرض الكتاب أو الشكوى من تدهور حال الفن والادب في الكويت وطغيان الهزيل على السمين، والرديء على الجيد، ينبغي النظر إلى الحالة العامة التي تعيشها البلاد، ذلك أن الازدهار الثقافي مرهون بالحياة الحضارية التي تعيشها المجتمعات.
فقد تطور الادب العربي في العصر العباسي بسبب الحياة الحضارية والنزعة العقلية التي كان يعيشها المجتمع آنذاك، فالانفتاح على الثقافات والشعوب والعلوم والفنون الاخرى، وازدهار حركة الترجمة من اللغات الهندية والفارسية واليونانية، وتأليف الكتب وإقبال الناس عليها، وتزايد المكتبات، ورواج عمل الوراقين وتكاثر النسّاخ، وتشجيع الخلفاء والاثرياء والمسؤولين للمبدعين الحقيقيين أسهم في تقدم الادب والفنون.
لقد عرف العرب وقتذاك اشكالا جديدة من النثر لم يعهدوها من قبل، مثل المؤلفات العلمية والفلسفية، كما تطور شكل القصيدة العربية ومضامينها، فتبدلت الالفاظ والاغراض والموضوعات التي يستخدمها الشعراء الذين اقتحموا عوالم الفلسفة وتأثروا بعلم الكلام، حتى امست الكتابة «اشرف مهن الدنيا بعد الخلافة».
فالثقافة تزدهر في المجتمعات الشجاعة الواثقة، أما المجتمعات المذعورة المرتبكة فيليق بها معرض كتاب تصفر فيه الرياح.
www.salahsayer.com