حالة التصدع والخوار التي تعيشها المنطقة العربية في هذه المرحلة الصعبة تمثل ذروة الفشل الحضاري الذي يخشى بعده أن تهوي المنطقة إلى الدرك الأسفل وتبلغ مرحلة الانفجار والتشظي الكامل ما لم ينتبه الحكام الحكماء إلى حراجة الوضع الراهن والذي يتطلب الاعتراف «غير العلني» بهذا الفشل والتوقف عن دفن الرؤوس في الرمال ومواجهة الحقائق بجسارة، حيث لم تعرف البشرية أمة خرجت من مآزقها ونهضت من كبوتها دون أن تعترف بسوء التجربة التي قادتها إلى الفشل. فالأمم الحية هي التي تخضع مسيرتها للنقد والمراجعة على الدوام.
> > >
مواجهة الذات ومصارحتها أمر يقتضي الاعتراف بأننا من أجل بناء الدولة الحديثة التي نعيش فيها اليوم قمنا باستيراد مفاهيم مهترئة جلبناها من «سكراب العالم» بسبب عدم معرفتنا بتأسيس الدول. وذلك جهل ناتج عن العيش في عتمة استمرت 4 قرون تحت حكم الامبراطورية العثمانية تم خلالها حرمان العقل العربي من تطوير الفكر السياسي. الأمر الذي أحدث فراغا داخل هذا العقل تم ملؤه بالسكراب الحطيم الذي تخلت عنه البشرية، فهيمن على الدولة الفكر القومي تارة، والإسلام السياسي تارة أخرى حتى فقدت الدولة ملامحها القانونية وابتعدت عن الدولة المدنية الحديثة.
> > >
الفشل الحضاري الذريع الذي نعيشه اليوم ليس بسبب «الجينات الوراثية العربية» كما يهذر بعض الشعوبيين، بل هو نتاج «الدولة المسخ» التي أعقبت مرحلة الاستقلال الوطني والمحكومة بالأوهام والأخيلة منذ انقلابات القوميين وشعارات «عبدالناصر» إلى حروب الدواعش وأوهام «سيد قطب» فهذه الدولة المسخ دولة هشة رخوة تضعف فيها المواطنة ويغيب عنها الخطاب القانوني والعقلاني. وقد فشلت في إدارتها حكومات متعاقبة تسببت «دون قصد» في تراجع مجتمعاتها وتسابق أفرادها نحو الوراء وإعطاء ظهورهم للمستقبل. إنها باختصار دولة سكراب بحاجة إلى تحديث يمكنها من مواكبة العصر، والله المستعان.
www.salahsayer.com
salah_sayer@