نقول في لغتنا الدارجة أو لهجتنا المحلية: «شربت مروقها»، ونقصد أن المشكلة اقتربت من الحل ولاحت في الأفق علامات النهاية. فالمروق أو المرق هو الماء الذي يسلق فيه الإدام من لحم وغيره، فإذا جف الماء في الطنجرة فتلك إشارة على نضوج قطعة اللحم وكأن الطبخة شربت الماء أو المروق، واقتربت من الانتهاء. ويمكن استعمال هذه العبارة عند الحديث عن الضبابية المرعبة التي عرفتها المنطقة منذ أن بدأت فيها «السيادينية» أو خلط السياسة بالدين الحنيف، وسطوع نجم تيار الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي، وهيمنة الملالي ومشايخ الدين على المشهد السياسي في عموم المنطقة.
> > >
نجمت هذه الضبابية عن الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي وقت كان من الضروري خلط السياسة بالدين لغرض صد الدب الروسي (الشيوعية) فتمددت «الصحوة» في المجتمعات العربية برعاية الحكومات. وحرص الرؤساء العرب على أوصاف ذات بعد ديني مثل «الرئيس المؤمن» و«حفيد الدوحة المحمدية»، وخبرت المنطقة الجهاد الأفغاني، كما تمكن الإسلام السياسي من حكم إيران وعمل على تصدير الثورة، فدخلت المنطقة دوامة جهنمية وعرفت الأفغان العرب ومنظمة القاعدة حتى انتهى الأمر بظهور تنظيم «داعش»، وأمسى عواء الذئاب المنفردة يتردد في جميع أصقاع الأرض.
> > >
ضبابية «سيادينية» اختلط فيها السياسي بالديني شكلت ولم تزل مرحلة عصيبة في المنطقة والعالم. وأفرزت أحداثا خطيرة مثل أزمة رهائن السفارة الأميركية في طهران وغزوة منهاتن في نيويورك، وحروب شرسة كالحرب العراقية- الإيرانية. وكما هو واضح فإن الفوضى الناجمة عن هذه الضبابية صارت تضرب في قلب أوروبا وأميركا وتهدد المصالح الدولية، كمثل محاولة جماعة الحوثي (وهي جماعة سياسية دينية) السيطرة على باب المندب في اليمن. ومثلما يبدو فإن طبخة الإسلام السياسي قد «شربت مروقها» وصار لزاما على الضباب أن ينقشع قبل احتراق الطنجرة بما فيها.
www.salahsayer.com
@salah_sayer