وقعنا في سحر البحر وموجاته وقصصه وحكاياته القديمة والمدهشة حتى تناسينا الصحراء وأمجادها المجيدة.
ننظر إلى شطآن الخليج ونتذكر المجد البحري وصناعة السفن والغوص والسفر التجاري وفنون البحر. وننظر إلى كثبان الرمال فنتذكر الحروب والغزوات والمشكلات والعطش والجوع و(الجرابيع)! وذلك خطأ فادح وظلم جسيم.
فالحقائق التاريخية تقول إن اليابسة في الجزيرة العربية كانت ميدانا لكفاح مثمر بذله الأجداد في جميع الدول الخليجية لا يقل عن كفاح البحر. ومثلما كانت المدن تنشأ لخدمة النشاط البحري كانت مثلها مدن تنشأ لخدمة النقل البري عبر الصحراء.
****
يهمني في بداية هذه العجالة ترميم شكل الصحراء في الذهنية الجمعية وتحريرها من صورتها النمطية التي تحصرها في القحل والجدب والخراب اليباب.
وذلك خطأ شائع، فالجفاف والتصحر لم يكن كذلك قبل عقود قليلة حين كانت الأمطار تهطل بغزارة معظم شهور السنة (من سبتمبر إلى ابريل) والسيول تجري كما الأنهار، وكانت الصحراء رياضا خضراء تتناثر فيها الأزهار وتزغرد في سمواتها الأطيار، وتنتشر فيها أبار المياه التي تعبر قربها القوافل التجارية يقودها الاجداد الأماجد حين كانوا يطوفون في الأسواق والمدن البعيدة.
****
عرفت نجد «العقيلات» وهم سادة القوافل التجارية الذين بلغوا الأسواق في مصر والشام وتركيا. فمن الخطأ حصر الصحراء بالبدو الرحل. ذلك ان العقيلات من سكان الحواضر رغم مهارتهم في عبور الصحراء.
وأشير إلى منطقة «جميرا» في دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة التي يؤكد الباحثون أنها محطة مهمة في طريق القوافل التجارية منذ أيام الدولة الأموية.
كما نتذكر طريق البخور (اللبان) من اليمن وعمان إلى الشام مرورا بالبتراء ومدائن صالح. وأخلص إلى القول ان الصحراء المظلومة كانت مضمارا عظيما لحركة السفر والتجارة الدولية.. إنها صفحة مشرقة خط عليها الأجداد مجدا مجيدا.
www.salahsayer.com
salah_sayer@