سأل الطبيب مريضته العجوز أن تصف الأعراض التي تشعر بها في منطقة الرأس كي يتمكن من تشخيص المرض الذي يحرمها من النوم.
فشرعت المريضة تصف الوجع بأنه «مثل السكاكين الموضوعة داخل الجمر مدة طويلة حين نضعها على الجبهة.. والله يا دكتور مثل شخص رفع المطرقة عاليا وضرب بها قمة رأسك» احتار الطبيب وحدق في السقف وهو يفكر كيف يفهم ذلك الوصف الغريب، فهو لم يجرب أن يضع سكينا حارة على جبهته من قبل ولم يضربه أحد بمطرقة على رأسه!
****
لم نعتد على الوصف الدقيق والمباشر لما يدور في حياتنا، ونعتبر ذلك من مظاهر ضعف الحيلة وانعدام القدرة على التعبير، ففي داخل كل شخص فينا يكمن شاعر بليغ يهوى الاستعارة ويجنح إلى الغلو والإفراط في التشبيه، فالمتحدث الجيد هو الذي يبالغ في التوصيف ويغرق سامعيه في لجة الخيال دون اعتبار للحقيقة التي لا تهم أحدا.
فنحن جميعنا نطرب للمبالغة وإن كانت غير معقولة أو مستحيلة كقول الشاعر: إذا بلغ الرضيع لنا فطاما.. تخر له الجبابر ساجدينا.
****
نقول: فلان (سبع) أو (أسد) ونقصد أنه شجاع، رغم ازدحام القاموس بمرادفات تفيد المعنى ذاته مثل (جريء، مقدام، صنديد، جسور، مغوار.. الخ)، وكذلك نصف المرأة الناعمة بالزبدة أو القشطة وكأننا جياع في محل حلويات.
كما نصف فلانا بعد سماعه الخبر السعيد بأنه (طار) من الفرح وإلى اليوم لم أجد إنسانا يطير سوى شخصية خيالية تدعى سوبرمان.
ويجلس احدنا وسط المجلس وهو حي يرزق ويلعلع «بالصوت الحياني» يصف نفسه عند الخطر بقوله: «مت من الخوف» وهذه معجزة حين يموت المرء ثم يعود ليصف موته!
www.salahsayer.com
salah_sayer@