سلطان الخلف
يرى د.محمد أركون في محاضرته التي ألقاها في الجمعية الثقافية النسائية ونظمها مركز الحوار للثقافة (تنوير) قبل أيام ان العقل هو أساس التنوير وانه يجب المحافظة على حريته واستقلاليته لأنه الشرارة التي اطلقت العنان لحركة التنوير الغربية التي بدأت منذ القرن السادس عشر وكانت سببا في النهوض بالمجتمع الغربي من مرحلة التخلف الى مرحلة التقدم.
كما انه يثني على عقلانية المعتزلة ويمتدح اهتمامهم بالعقل والفلسفة رغم انهم أرادوا فرض فكرة خلق القرآن التي كانوا يعتنقونها، على علماء المسلمين وعلى رأسهم أحمد بن حنبل إمام أهل السنة، رحمه الله، من خلال استعمال اسلوب التعذيب لانتزاع الاعتراف بها لكنهم فشلوا في ذلك فشلا ذريعا وهو عمل ينافي مبدأ احترام حرية التفكير التي ينادي بها منهج التنوير الغربي الذي يؤمن به د.أركون وكان يفترض ان ينتقد سلوكهم هذا بدل كيل المديح لهم والثناء عليهم.
ويقول د.أركون: «إن المرحلة الثالثة من تاريخ التنوير جاءت بعد الحرب العالمية الثانية وكانت كارثة تتعارض مع التنوير وهو ما دفع العقل الى ان يراجع ديناميته ويجدد النظر فيما حدث وفي جميع ما غفل عنه ولم يعرفه»، طبعا الحرب اندلعت في مركز التنوير الأوروبي، ومن الصعب التسليم بأنها تتعارض معه، بل هي مؤشر على ان ذلك التنوير لم يكن يمتلك عقلا متزنا، وقد تسبب في معاناة إنسانية عظيمة وما المانع من ان يتسبب مستقبلا في كارثة انسانية أعظم اذا حدث تعارض مع مصالح العقل التنويري؟ وما الذي استدركه أو حققه العقل المتنور من أجل الإنسان كما يتساءل د.أركون بعد ستين عاما من الحرب غير تكريس السيطرة على اقتصاديات الدول الضعيفة وزيادة معاناة شعوبها عن طريق حملها على قبول الاتفاقيات التجارية المجحفة واتساع الهوة بين الشمال الغني والجنوب الفقير المثقل بالديون، والذي لايزال ينظر اليه العقل المتنور على انه مستودع مادته الخام وهي سياسات غير إنسانية بكل المقاييس.
كما لا يمكن اغفال الافرازات السلبية لحركة العقل التنويري التي تهدد المنظومة الاجتماعية للمجتمعات الانسانية المحافظة مثل اعادة صياغة مفهوم الأسرة الذي أساسه المرأة والرجل ليشمل المثليين من الجنسين والاعتراف بحق ممارسة الشذوذ الجنسي والإغفال المتعمد للقيم الأخلاقية والتعامل مع حقوق الإنسان كقضايا سياسية صرفة وليست إنسانية.
صحيح ان الفكر التنويري الغربي لعب دورا كبيرا في التقدم المادي لكنه اخفق في الجانبين الإنساني والأخلاقي.