مشاهد غريبة تحدث في أعرق دول العالم ديموقراطية.
الولايات المتحدة يتزعمها رئيس شعبوي مثير للجدل داخل وخارج بلاده، أشغل الشارع الأميركي حول فضائح حملته الانتخابية وقراراته ضد الهجرة وعرقلته لنظام الضمان الصحي واستهزائه بالشخصيات السياسية والقضائية والرئيس السابق أوباما ورفضه الاعتراف بظاهرة الاحتباس الحراري والتصدي لها والتي أصبحت حقيقة لدى علماء البيئة وخطرا تتكاتف دول العالم حاليا لمواجهته.
وبريطانيا لم تتوصل بعد إلى الحل الأمثل للخروج من الاتحاد الأوروبي وتواجه رئيسة وزرائها ماي معارضة شديدة من قبل البرلمان في قبول مقترح مسودة الخروج، حيث قدم سبعة من وزرائها استقالاتهم احتجاجا على تلك المسودة ويطالبها حزب العمال المعارض بالاستقالة ويصر عليها رغم فوزها بثقة البرلمان.
وهذا لا يعني أن أزمة الخروج قد انتهت بل لاتزال قائمة والشعب البريطاني زاد انقساما حتى ان مؤيدي البقاء في الاتحاد صاروا يلومون نظراءهم الرافضين له ويحملونهم مسؤولية الوضع المتأزم الذي تمر به بريطانيا.
أما فرنسا فتواجه مظاهرات السترات الصفراء في أسبوعها الخامس وهي مظاهرات غير مسبوقة وتزداد زخما في جميع أرجاء فرنسا رغم استجابة الحكومة الفرنسية للمتظاهرين بإلغائها زيادة الضرائب على الوقود وإقرارها لرفع الحد الأدنى للأجور.
إلا أن مطالب المتظاهرين لم تتوقف فهم يطالبون بإلغاء الإصلاحات الضريبية التي تضعف القوة الشرائية وتستنزف الطبقة الوسطى والطبقة العاملة لكنها تدعم طبقة الأغنياء، حيث يرى المتظاهرون أن الرئيس ماكرون يمثل الطبقة الغنية وأطلقوا عليه لقب رئيس الأغنياء.
ربما يتساءل المرء لماذا لا تستخدم الحكومة الفرنسية القوة في إخماد تلك المظاهرات وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل المظاهرات كما يحدث في دول العالم الثالث التي اعتادت استخدام العنف المفرط في قمع شعوبها وفرض سياساتها المؤلمة عليهم دون مراعاة لأحوالهم المعيشية المتدنية؟ مثل هذا الإجراء الأمني لن يحل الإشكال الاقتصادي الذي يمر به الفرنسيون وأي إجراء من هذا القبيل - وهو مستحيل - سيضع ماكرون وحكومته على المحك لأن هناك مؤسسات رسمية تراقب وتعاقب.
كما أن فرنسا بلد ديموقراطي يحترم المعارضة وحرية التعبير والتظاهر والحكومة الفرنسية تتفهم معاناة الطبقة الوسطى والطبقة العاملة وتريد الوصول إلى الحل الأمثل وقد فعلت.
وهذا يعني أنه حتى الدول المتقدمة مع اقتصادها المتين وخدماتها ذات المستوى الرفيع قد تواجه مشاكل عميقة تؤدي إلى انتفاضات شعبية ترغم حكوماتها على الأخذ بعين الاعتبار الأوضاع المعيشية لباقي فئات مواطنيها على عكس دول العالم الثالث التي تعتبر مصالح شعوبها آخر شيء تفكر به وترى من الاحتجاج السلمي تحديا لسلطتها المقدسة ولابد من قمعه بكل الوسائل المتاحة بما فيها القوة المفرطة وخير مثال على ذلك ما حدث لبعض دول الربيع العربي التي لاتزال تلعق جراحاتها الدامية.
****
تطويب الفاتيكان وبضغط من فرنسا مجموعة من القساوسة الكاثوليك الذين قتلوا في الجزائر هو محاولة لتلميع صورة الكنيسة الكاثوليكية التي تلاحقها فضائح الاعتداءات الجنسية على الأطفال لكن إجراء التطويب على أرض الجزائر لن يغير من السمعة السيئة التي يعيشها الفاتيكان منذ عهد البابا السابق بندكتوس الذي استقال بسبب تلك الفضائح.
العجيب في الأمر أن فرنسا العلمانية لا تنسى تراثها الكاثوليكي العريق على عكس بعض الدول الإسلامية التي تموت حبا في العلمانية وتحارب بلا هوادة القضايا والشخصيات الإسلامية.