لقد كانت الظروف والصدفة أمامي في دمشق عام 1990، كان الزميل د.جاسم الشمري، رحمه الله، قادما من الرياض في مهمة صحافية لإحدى الصحف السعودية، وجدت نفسي معه في زيارة إلى أقطاب المعارضة العراقية المقيمين في دمشق آنذاك، وأبرز هؤلاء الزعيم جلال طالباني الذي أصبح فيما بعد رئيسا لجمهورية العراق، والذي كشف لنا أسرارا كثيرة عن النظام العراقي الحاكم أيام زمرة الطاغية الذي شرد كل أحزاب المعارضة هنا وهناك، لقد كانت تجربة صحافية اكتسبت منها الخبرة في حوار السياسيين المخضرمين، كما التقينا عددا من رجال المعارضة من كل الأطياف بالتنسيق مع سفيرنا آنذاك في دمشق أحمد الجاسم.
بعد التحرير التقينا المفكر السياسي والإعلامي د.حسن العلوي في جمعية الصحافيين الذي كشف لنا ولأول مرة عن مصير الأسرى الكويتيين في المعتقلات الصدامية، وأكد أن صدام تخلص منهم جميعا لأنه دائما لا يبقي على ورقة تفاوض سياسية ولا يبقي على أسرى في السجون! وقد صدقت كلمات د.العلوي بعدما تسلمنا تقريبا معظم رفاة أسرانا الذين استشهدوا ولا نزال ننتظر استقبال رفاة المتبقين منهم حتى اليوم!
ثم التقينا مصادفة في الدوحة ونحن بالطائرة متجهين إلى الرياض وفدا عراقيا برئاسة وزير خارجية العراق آنذاك د.هوشيار زيباري وكنا ضمن وفد صحافي كويتي برئاسة العم أحمد بهبهاني، رحمه الله، لكن لم نتمكن من الوصول للدكتور زيباري أثناء الرحلة إلا أن الصدفة تكررت وكانت أفضل في مول الفندق بالرياض، حيث طلبنا منه حديثا ولقاء ووعدنا خيرا بعد عودته إلى مقر إقامته، إلا أن الظروف لم تسمح لنا بذلك، ولكن مرافقه اتصل بنا ليعتذر ويطلب أن يكون اللقاء والحديث عبر الهاتف، فكان اللقاء المثير للجدل بعدما أجرينا وأنا وزميلي د.عبدالله سهر لقاء مع وزير خارجية العراق في وقت متأخر من الليل، ويومها كشف لنا هوشيار زيباري إلقاء القبض على الطاغية صدام حسين في مكان ما بالعراق، بالطبع طوال تلك الليلة لم يغمض لنا جفن أنا وعبدالله حتى فرغنا من اللقاء المثير وأسرعنا إلى مركز رجال الأعمال لنرسل هذا الصيد الصحافي إلى جريدتنا «الأنباء» حصريا، بعد أن أخبرنا رئيس الوفد بذلك، وعندما نشر الخبر في «الأنباء» وتناقلته وسائل الإعلام العالمية بمتابعة مستمرة لتأكيد هذا الصيد الثمين نقلا عن «الأنباء» الكويتية.
وبالصدفة أيضا وأثناء مغادرتنا مطار بيروت قبل عامين، التقيت السياسي والمفكر والإعلامي العراقي د.حسن العلوي الذي زودني برقم هاتفه الجوال ما أتاح لي فرصة التواصل معه على الدوام، وهنا أتذكر آخر رسالة هاتفية منه قال لي إن الإعلامي يجب أن يكون صائدا محترفا للخبر، وألا يحتفظ به لنفسه لأنه صحافي وليس رجل مخابرات بل مؤتمن على إعلان أي خبر يقتنصه ويكون أمينا في نقل الخبر دون فبركة أو تجاوز المعلومة التي حصل عليها.. قال لي في تلك المكالمة حرفيا: «أخي وزميلي طارق إدريس بجريدة «الأنباء» العزيزة يمكنك التصرف ونشر الأخبار، أنا ما عندي أسرار أنا مخلوق إعلامي، والإعلامي ما عنده أسرار وضد الأسرار، والأخبار التي يحصل عليها عليه نشرها ولا يخفيها، لأن هناك فرقا بين رجل الإعلام ورجل المخابرات، رجل المخابرات مهمته الاحتفاظ بالخبر وتسليمه لدائرته، أما رجل الإعلام فهو مؤتمن كإعلامي عليه نشر الخبر للصالح العام حتى يفيد الناس»!
بالطبع، لقد كانت الرسالة حديثا شيقا ودرسا عمليا لنا كإعلاميين وصحافيين وكتابا من رجل مخضرم قارب التسعين عاما وله باع طويل في المجال الثقافي والصحافي والإعلامي والسياسي، اليوم بالطبع مثلما قال يعيش في أربيل لأنها أرخص من بغداد وترك بغداد منذ فترة طويلة!
لقد كانت رسالة هاتفية ثمينة بمعلوماتها وتفاصيلها في حياة د.حسن العلوي الذي قال لي إنه يشتاق لزيارة الكويت واللقاء مع أصدقائه وزملائه، وأعلن انه كانت له علاقات مقربة مع الراحل الكبير سمو الشيخ صباح الأحمد، طيب الله ثراه، منذ سنوات طويلة، جمعته معه لقاءات خارج الكويت وداخلها.
بالطبع مثل هذه الكنوز الفكرية من رجال سياسة وفكر وإعلام نحتاج دائما الولوج إلى أسرارهم الدفينة لتوثيقها وتسجيلها لأنهم مرجعية سياسية وتاريخية نادرة لديهم مخزون وثائقي معلوماتي من الأحداث والمواقف والأسرار علينا الاستفادة منها بالتوثيق والتسجيل الإعلامي والصحافي لأنها ثروة معلومات في مخزونهم يجب علينا تتبعهم واستضافتهم، أدبيا وإعلاميا وسياسيا، حتى وان كانوا خارج السلطة اليوم!
هذه نوادر من لقاءاتي مع شخصيات ومفكرين وسياسيين من العراق الزاخر بالأسرار!